الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب ( 11 ) بل عجبت ويسخرون ( 12 ) وإذا ذكروا لا يذكرون ( 13 ) وإذا رأوا آية يستسخرون ( 14 ) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ( 15 ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( 16 ) أوآباؤنا الأولون ( 17 ) قل نعم وأنتم داخرون ( 18 ) فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ( 19 ) )

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى : فسل هؤلاء المنكرين للبعث : أيما أشد خلقا هم أم السماوات والأرض ، وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة ؟ - وقرأ ابن مسعود : " أم من عددنا " - فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم ، وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث ؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا . كما قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر : 57 ] ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف ، فقال ( إنا خلقناهم من طين لازب )

                                                                                                                                                                                                    قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك : هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض . وقال [ ص: 8 ] ابن عباس ، وعكرمة : هو اللزج . وقال قتادة : هو الذي يلزق باليد .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( بل عجبت ويسخرون ) أي : بل عجبت - يا محمد - من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث ، وأنت موقن مصدق بما أخبر الله به من الأمر العجيب ، وهو إعادة الأجسام بعد فنائها . وهم بخلاف أمرك ، من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك .

                                                                                                                                                                                                    قال قتادة : عجب محمد - صلى الله عليه وسلم - وسخر ضلال بني آدم . ( وإذا رأوا آية ) أي : دلالة واضحة على ذلك ( يستسخرون ) قال مجاهد وقتادة : يستهزئون .

                                                                                                                                                                                                    ( وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ) أي : إن هذا الذي جئت به إلا سحر مبين ، ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، أوآباؤنا الأولون ) يستبعدون ذلك ويكذبون به ، ( قل نعم وأنتم داخرون ) أي : قل لهم يا محمد : نعم تبعثون يوم القيامة بعد ما تصيرون ترابا وعظاما ، ( وأنتم داخرون ) أي : حقيرون تحت القدرة العظيمة ، كما قال تعالى ( وكل أتوه داخرين ) [ النمل : 87 ] ، وقال : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ] .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ) أي : إنما هو أمر واحد من الله - عز وجل - يدعوهم دعوة واحدة أن يخرجوا من الأرض ، فإذا هم [ قيام ] بين يديه ، ينظرون إلى أهوال يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية