الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن أهل النار يدعون ربهم فيها فيقولون : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا إلى ما لا يرضيك بعد إخراجنا منها ، فإنا ظالمون ، وأن الله يجيبهم بقوله : اخسئوا فيها ولا تكلمون ، أي : امكثوا فيها خاسئين ، أي : أذلاء صاغرين حقيرين ; لأن لفظة اخسأ إنما تقال للحقير الذليل ، كالكلب ونحوه ، فقوله : اخسئوا فيها ، أي : ذلوا فيها ماكثين في الصغار والهوان .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الخروج من النار الذي طلبوه قد بين تعالى أنهم لا ينالونه ; كقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم [ 5 \ 37 ] وقوله تعالى : كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار [ 2 \ 167 ] وقوله تعالى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها الآية [ 22 \ 22 ] ، وقوله تعالى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها [ 32 \ 20 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جاء في القرآن أجوبة متعددة لطلب أهل النار فهنا قالوا : ربنا أخرجنا منها فأجيبوا اخسئوا فيها ولا تكلمون وفي السجدة ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا [ 32 \ 12 ] فأجيبوا ولكن حق القول مني لأملأن جهنم الآية [ 32 \ 13 ] ، وفي سورة المؤمن قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل [ 40 \ 11 ] فأجيبوا ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [ 40 \ 12 ] وفي الزخرف ونادوا يامالك ليقض علينا ربك [ 43 \ 77 ] فأجيبوا إنكم ماكثون [ 43 \ 77 ] وفي سورة إبراهيم فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل [ 14 \ 44 ] فيجابون أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [ 14 \ 44 ] وفي سورة فاطر وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل [ 35 \ 37 ] فيجابون [ ص: 360 ] أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير [ 53 \ 37 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مثل هذه الأجوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس : أن بين كل طلب منها وجوابه ألف سنة والله أعلم . وقوله في هذه الآية : ولا تكلمون أي : في رفع العذاب عنكم ، ولا إخراجكم من النار أعاذنا الله ، وإخواننا المسلمين منها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية