الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( وما يستوي الأعمى والبصير ( 19 ) ولا الظلمات ولا النور ( 20 ) ولا الظل ولا الحرور ( 21 ) وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ( 22 ) إن أنت إلا نذير ( 23 ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( 24 ) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ( 25 ) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ( 26 ) ) .

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى : كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة ، كالأعمى والبصير لا يستويان ، بل بينهما فرق وبون كثير ، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات ، وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين وهم الأحياء ، وللكافرين وهم الأموات ، كقوله تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) [ الأنعام : 122 ] ، [ ص: 543 ] وقال تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا ) [ هود : 24 ] فالمؤمن سميع بصير في نور يمشي ، على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة ، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون ، والكافر أعمى أصم ، في ظلمات يمشي ، لا خروج له منها ، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة ، حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم ، ( وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ) [ الواقعة : 43 ، 44 ] .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( إن الله يسمع من يشاء ) أي : يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها ( وما أنت بمسمع من في القبور ) أي : كما لا [ يسمع و ] ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم ، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها ، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم ، ولا تستطيع هدايتهم .

                                                                                                                                                                                                    ( إن أنت إلا نذير ) أي : إنما عليك البلاغ والإنذار ، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

                                                                                                                                                                                                    ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) أي : بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين ، ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) أي : وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر ، وأزاح عنهم العلل ، كما قال تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) [ الرعد : 7 ] ، وكما قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ) الآية [ النحل : 136 ] ، والآيات في هذا كثيرة .

                                                                                                                                                                                                    وقوله تبارك وتعالى : ( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات ) وهي : المعجزات الباهرات ، والأدلة القاطعات ، ( وبالزبر ) وهي الكتب ، ( وبالكتاب المنير ) أي : الواضح البين .

                                                                                                                                                                                                    ( ثم أخذت الذين كفروا ) أي : ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاءوهم به ، فأخذتهم ، أي : بالعقاب والنكال ، ( فكيف كان نكير ) أي : فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيما شديدا بليغا ؟

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية