الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( 63 ) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ( 64 ) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ( 65 ) يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول ( 66 ) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ( 67 ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ( 68 ) ) .

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى مخبرا لرسوله صلى الله عليه وسلم : أنه لا علم له بالساعة ، وإن سأله الناس عن ذلك . وأرشده أن يرد علمها إلى الله ، عز وجل ، كما قال له في سورة " الأعراف " ، وهي مكية وهذه مدنية ، فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها ، لكن أخبره أنها قريبة بقوله : ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) ، كما قال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) [ القمر : 1 ] ، وقال ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] ، وقال ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) [ النحل : 1 ] .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال : ( إن الله لعن الكافرين ) أي : أبعدهم عن رحمته ( وأعد لهم سعيرا ) أي : في الدار الآخرة .

                                                                                                                                                                                                    ( خالدين فيها أبدا ) أي : ماكثين مستمرين ، فلا خروج لهم منها ولا زوال لهم عنها ، ( لا يجدون وليا ولا نصير ا ) أي : وليس لهم مغيث ولا معين ينقذهم مما هم فيه .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال : ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) أي : يسحبون في النار على وجوههم ، وتلوى وجوههم على جهنم ، يقولون وهم كذلك ، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول ، كما أخبر الله عنهم في حال العرصات بقوله : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا . يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) [ الفرقان : 27 - 29 ] ، [ ص: 484 ] وقال تعالى : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) [ الحجر : 2 ] ، وهكذا أخبر عنهم في حالتهم هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا الله ، وأطاعوا الرسول في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                    ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ) . وقال طاوس : سادتنا : يعني الأشراف ، وكبراءنا : يعني العلماء . رواه ابن أبي حاتم .

                                                                                                                                                                                                    أي : اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة ، وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئا ، وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء .

                                                                                                                                                                                                    ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) أي : بكفرهم وإغوائهم إيانا ، ( والعنهم لعنا كبيرا ) . قرأ بعض القراء بالباء الموحدة . وقرأ آخرون بالثاء المثلثة ، وهما قريبا المعنى ، كما في حديث عبد الله بن عمرو : أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي . قال : " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " . أخرجاه في الصحيحين ، يروى " كبيرا " و " كثيرا " ، وكلاهما بمعنى صحيح .

                                                                                                                                                                                                    واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه ، وفي ذلك نظر ، بل الأولى أن يقول هذا تارة ، وهذا تارة ، كما أن القارئ مخير بين القراءتين أيتهما قرأ فحسن ، وليس له الجمع بينهما ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا ضرار بن صرد ، حدثنا علي بن هاشم ، عن [ محمد بن ] عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، في تسمية من شهد مع علي ، رضي الله عنه : الحجاج بن عمرو بن غزية ، وهو الذي كان يقول عند اللقاء : يا معشر الأنصار ، أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه : ( ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) ؟ .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية