الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 299 ] ذكر قس بن ساعدة الإيادي قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب هواتف الجان : حدثنا داود القنطري حدثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو عبد الله المشرقي عن أبي الحارث الوراق عن ثور بن يزيد عن مورق العجلي عن عبادة بن الصامت قال لما قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر وفد إياد ما فعل قس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : هلك يا رسول الله . قال : لقد شهدته يوما بسوق عكاظ على جمل أحمر ، يتكلم بكلام معجب مونق لا أجدني أحفظه فقام إليه أعرابي من أقاصي القوم فقال : أنا أحفظه يا رسول الله . قال : فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال : فكان بسوق عكاظ على جمل أحمر ، وهو يقول : يا معشر الناس اجتمعوا فكل من فات فات ، وكل شيء آت آت ، ليل داج وسماء ذات أبراج ، وبحر عجاج ، نجوم تزهر ، وجبال مرسية ، وأنهار مجرية إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا . ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالإقامة فأقاموا أم تركوا فناموا ؟ أقسم قس بالله قسما لا ريب فيه ، إن لله دينا هو أرضى من دينكم هذا ، ثم أنشأ يقول :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 300 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر     لما رأيت مواردا للموت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليس لها مصادر     ورأيت قومي نحوها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يمضي الأصاغر والأكابر     لا من مضى يأتي إليك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا من الباقين غابر     أيقنت أني لا محالة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حيث صار القوم صائر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      . وهذا إسناد غريب من هذا الوجه . وقد رواه الطبراني من وجه آخر فقال في كتابه " المعجم الكبير " : حدثنا محمد بن السري بن مهران بن الناقد البغدادي حدثنا محمد بن حسان السمتي حدثنا محمد بن الحجاج عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيكم يعرف القس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : كلنا يعرفه يا رسول الله قال فما فعل ؟ قالوا : هلك . قال : فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام وهو على جمل أحمر ، وهو يخطب الناس وهو يقول : يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تمور ، وبحار لا تغور ، وأقسم قس قسما حقا لئن كان في الأمر [ ص: 301 ] رضى ليكونن بعده سخط ، إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا فناموا ؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفيكم من يروي شعره فأنشده بعضهم


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في الذاهبين الأولي     ن من القرون لنا بصائر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الما رأيت مواردا     للموت ليس لها مصادر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورأيت قومي نحوها     يسعى الأصاغر والأكابر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يرجع الماضي إلي     ولا من الباقين غابر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيقنت أني لا محالة     حيث صار القوم صائر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة ، من طريق محمد بن حسان السمتي به ، وهكذا رويناه في الجزء الذي جمعه الأستاذ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه في أخبار قس; قال : حدثنا عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي عن سعيد بن شبيب عن محمد بن الحجاج عن إبراهيم الواسطي نزيل بغداد ، ويعرف بصاحب الهريسة به وقد كذبه يحيى بن معين ، وأبو حاتم الرازي والدارقطني ، واتهمه [ ص: 302 ] غير واحد ، منهم ابن عدي بوضع الحديث وقد رواه البزار ، وأبو نعيم من حديث محمد بن الحجاج هذا ، ورواه ابن درستويه ، وأبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذه الطريق أمثل من التي قبلها ، وفيه أن أبا بكر هو الذي أورد القصة بكمالها نظمها ، ونثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث أحمد بن موسى بن إسحاق الحطمي حدثنا علي بن الحسين بن محمد المخزومي حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثنا وهب بن جرير عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال قدم ، وفد بكر بن وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : ما فعل حليف لكم يقال له : قس بن ساعدة الأيادي ؟ وذكر القصة مطولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا الشيخ المسند الرحلة أحمد بن أبي طالب الحجار إجازة إن لم يكن سماعا ، قال : أجاز لنا جعفر بن علي الهمداني قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي سماعا ، وقرأت على شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر الخلال سماعا ، قال : أنا جعفر بن علي سماعا قال : أنا السلفي سماعا ، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي أنا أبو الفضل محمد بن أحمد [ ص: 303 ] عيسى السعدي أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد السعدي - قاضي فارس - حدثنا أبو داود سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي من أهل حران حدثنا أبو عمرو سعيد بن بزيع عن محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال كان الجارود بن المعلى بن حنش بن معلى العبدي نصرانيا حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها ، عالما بسير الفرس وأقاويلها ، بصيرا بالفلسفة والطب ، ظاهر الدهاء والأدب كامل الجمال ذا ثروة ومال ، وإنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وافدا في رجال من عبد القيس ذوي آراء وأسنان وفصاحة وبيان وحجج وبرهان فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين يديه وأشار إليه ، وأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا نبي الهدى أتتك رجال     قطعت فدفدا وآلا فآلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وطوت نحوك الصحاصح تهوي     لا تعد الكلال فيك كلالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل بهماء قصر الطرف عنها     أرقلتها قلاصنا إرقالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وطوتها العتاق تجمح فيها     بكماة كأنجم تتلالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تبتغي دفع بأس يوم عظيم     هائل أوجع القلوب وهالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومزادا لمحشر الخلق طرا     وفراقا لمن تمادى ضلالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 304 ] نحو نور من الإله وبرها     ن وبر ونعمة أن تنالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خصك الله يا ابن آمنة الخي     ر بها إذ أتت سجالا سجالا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاجعل الحظ منك يا حجة الله     جزيلا لا حظ خلف أحالا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأدناه النبي صلى الله عليه وسلم وقرب مجلسه ، وقال له : يا جارود لقد تأخر الموعود بك وبقومك . فقال الجارود : فداك أبي وأمي أما من تأخر عنك فقد فاته حظه ، وتلك أعظم حوبة وأغلظ عقوبة وما كنت فيمن رآك أو سمع بك فعداك واتبع سواك ، وإني الآن على دين قد علمت به قد جئتك ، وها أنا تاركه لدينك ، أفذلك مما يمحص الذنوب والمآثم والحوب ؟ ويرضي الرب عن المربوب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ضامن لك ذلك ، وأخلص الآن لله بالوحدانية ، ودع عنك دين النصرانية . فقال الجارود : فداك أبي وأمي مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنك محمد عبده ورسوله . قال : فأسلم وأسلم معه أناس من قومه فسر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم ، وأظهر من إكرامهم ما سروا به وابتهجوا به ، ثم أقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الإيادي ؟ فقال الجارود : فداك أبي وأمي كلنا نعرفه ، وإني من بينهم لعالم بخبره واقف على أمره ، كان قس يا رسول الله سبطا من أسباط العرب ، عمر ستمائة سنة تقفر منها خمسة أعمار في البراري والقفار يضج بالتسبيح على مثال المسيح لا يقره قرار ولا تكنه دار ولا يستمتع به جار كان يلبس الأمساح ، ويفوق [ ص: 305 ] السياح ولا يفتر من رهبانيته يتحسى في سياحته بيض النعام ، ويأنس بالهوام ، ويستمتع بالظلام يبصر فيعتبر ويفكر فيزدجر فصار لذلك واحدا تضرب بحكمته الأمثال ، وتكشف به الأهوال ، أدرك رأس الحواريين سمعان وهو أول رجل تأله من العرب ووحد وأقر وتعبد ، وأيقن بالبعث والحساب ، وحذر سوء المآب ، وأمر بالعمل قبل الفوت ، ووعظ بالموت ، وسلم بالقضا على السخط والرضا ، وزار القبور وذكر النشور ، وندب بالأشعار وفكر في الأقدار ، وأنبأ عن السماء والنماء وذكر النجوم وكشف الماء ووصف البحار وعرف الآثار ، وخطب راكبا ووعظ دائبا ، وحذر من الكرب ومن شدة الغضب ، ورسل الرسائل ، وذكر كل هائل ، وأرغم في خطبه وبين في كتبه ، وخوف الدهر ، وحذر الأزر ، وعظم الأمر ، وجنب الكفر ، وشوق إلى الحنيفية ، ودعا إلى اللاهوتية وهو القائل في يوم عكاظ : شرق وغرب ، ويتم وحزب ، وسلم وحرب ، ويابس ورطب ، وأجاج وعذب ، وشموس وأقمار ورياح وأمطار ، وليل ونهار ، وإناث وذكور وأبرار وفجور ، وحب ونبات وآباء وأمهات وجمع وأشتات ، وآيات في إثرها آيات ، ونور وظلام ، ويسر وإعدام ، ورب وأصنام ، لقد ضل الأنام ، نشوء [ ص: 306 ] مولود ووأد مفقود وتربية محصود ، وفقير وغني ومحسن ومسيء ، تبا لأرباب الغفلة ليصلحن العامل عمله وليفقدن الآمل أمله ، كلا بل هو إله واحد ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدى وأمات وأحيا وخلق الذكر والأنثى ، رب الآخرة والأولى ، أما بعد فيا معشر إياد أين ثمود وعاد ؟ وأين الآباء والأجداد ؟ وأين العليل والعواد ؟ كل له معاد يقسم قس برب العباد وساطح المهاد ، لتحشرن على الانفراد في يوم التناد ، إذا نفخ في الصور ونقر في الناقور ، وأشرقت الأرض ، ووعظ الواعظ فانتبذ القانط وأبصر اللاحظ ، فويل لمن صدف عن الحق الأشهر والنور الأزهر والعرض الأكبر في يوم الفصل ، وميزان العدل إذا حكم القدير وشهد النذير وبعد النصير وظهر التقصير ففريق في الجنة وفريق في السعير

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو القائل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر القلب من جواه ادكار     وليال خلا لهن نهار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسجال هواطل من غمام     ثرن ماء وفي جواهن نار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضوءها يطمس العيون وأرعا     د شداد في الخافقين تطار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقصور مشيدة حوت الخي     ر وأخرى خلت بهن قفار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجبال شوامخ راسيات وبحار     مياههن غزار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونجوم تلوح في ظلم اللي     ل نراها في كل يوم تدار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم شمس يحثها قمر اللي     ل وكل متابع موار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 307 ] وصغير وأشمط وكبير     كلهم في الصعيد يوما مزار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كثير مما يقصر عنه حدسه     الخاطر الذي لا يحار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فالذي قد ذكرت دل على الل     ه نفوسا لها هدى واعتبار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهما نسيت فلست أنساه بسوق عكاظ ، واقفا على جمل أحمر يخطب الناس : اجتمعوا فاسمعوا وإذا سمعتم فعوا وإذا وعيتم فانتفعوا وقولوا وإذا قلتم فاصدقوا . من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ، مطر ونبات وأحياء وأموات ، ليل داج وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر وضوء وظلام ، وليل وأيام وبر وآثام ، إن في السماء خبرا ، وإن في الأرض عبرا ، يحار فيهن البصرا ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تغور ، وبحار لا تفور ، ومنايا دوان ، ودهر خوان كحد النسطاس ووزن القسطاس ، أقسم قس قسما لا كاذبا فيه ولا آثما لئن كان في هذا الأمر رضى ليكونن سخط . ثم قال : أيها الناس إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه . وهذا زمانه وأوانه ، ثم قال : ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ؟ والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض أصحابه فقال : أيكم يروي شعره لنا ؟ فقال أبو بكر الصديق فداك أبي وأمي أنا شاهد له في ذلك اليوم حيث يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في الذاهبين الأولين     من القرون لنا بصائر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 308 ] لما رأيت مواردا     للموت ليس لها مصادر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورأيت قومي نحوها     يمضي الأصاغر والأكابر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يرجع الماضي إلي     ولا من الباقين غابر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيقنت أني لا محالة     حيث صار القوم صائر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شيخ من عبد القيس عظيم الهامة طويل القامة بعيد ما بين المنكبين فقال : فداك أبي وأمي ، وأنا رأيت من قس عجبا . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الذي رأيت يا أخا بني عبد القيس ؟ فقال : خرجت في شبيبتي أربع بعيرا لي ففر مني فذهبت أقفو أثره في تنائف قفاف ذات ضغابيس وعرصات جثجاث ، بين صدور جذعان ، وغمير حوذان ، ومهمه ظلمان ، ورصيع أيهقان فبينا أنا في تلك الفلوات أجول بسبسبها [ ص: 309 ] وأرنق فدفدها ، إذا أنا بهضبة في نشزاتها أراك كباث مخضوضلة ، وأغصانها متهدلة كأن بريرها حب الفلفل ، وبواسق أقحوان ، وإذا بعين خرارة ، وروضة مدهامة ، وشجرة عارمة ، وإذا أنا بقس بن ساعدة في أصل تلك الشجرة وبيده قضيب فدنوت منه ، وقلت له : أنعم صباحا فقال : وأنت فنعم صباحك ، وقد وردت العين سباع كثيرة فكان كلما ذهب سبع منها يشرب من العين قبل صاحبه ضربه قس بالقضيب الذي بيده ، وقال : اصبر حتى يشرب الذي قبلك فذعرت من ذلك ذعرا شديدا ، ونظر إلي فقال : لا تخف ، وإذا بقبرين بينهما مسجد فقلت : ما هذان القبران ؟ قال : قبرا أخوين كانا يعبدان الله عز وجل بهذا الموضع فأنا مقيم بين قبريهما أعبد الله حتى ألحق بهما فقلت له : أفلا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم ، وتباينهم على شرهم فقال لي : ثكلتك أمك أوما علمت أن ولد إسماعيل تركوا دين أبيهم ، واتبعوا الأضداد ، وعظموا الأنداد ، ثم أقبل على القبرين ، وأنشأ يقول


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خليلي هبا طالما قد رقدتما     أجدكما لا تقضيان كراكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 310 ] أرى النوم بين الجلد والعظم منكما     كأن الذي يسقي العقار سقاكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمن طول نوم لا تجيبان داعيا     كأن الذي يسقي العقار سقاكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألم تعلما أني بنجران مفردا     وما لي فيه من حبيب سواكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مقيم على قبريكما لست بارحا     إياب الليالي أو يجيب صداكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أأبكيكما طول الحياة وما الذي     يرد على ذي لوعة أن بكاكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو جعلت نفس لنفس امرئ فدى     لجدت بنفسي أن تكون فداكما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأنكما والموت أقرب غاية     بروحي في قبريكما قد أتاكما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله قسا أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة واحدة . وهذا الحديث غريب جدا من هذا الوجه وهو مرسل إلا أن يكون الحسن سمعه من الجارود . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه البيهقي والحافظ أبو القاسم ابن عساكر من وجه آخر من حديث محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد القرشي الأخباري ثنا أبي ثنا علي بن سليمان عن سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قدم الجارود بن عبد الله فذكر مثله [ ص: 311 ] أو نحوه مطولا بزيادات كثيرة في نظمه ونثره ، وفيه ما ذكره عن الذي ضل بعيره فذهب في طلبه قال : فبت في واد لا آمن فيه حتفي ولا أركن إلى غير سيفي فبت أرقب الكوكب ، وأرمق الغيهب حتى إذا الليل عسعس ، وكاد الصبح أن يتنفس هتف بي هاتف يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الراقد في الليل الأجم     قد بعث الله نبيا في الحرم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من هاشم أهل الوفاء والكرم     يجلو دجنات الدياجي والبهم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا ولا سمعت له فحصا ، قال : فأنشأت أقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الهاتف في داجي الظلم     أهلا وسهلا بك من طيف ألم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بين هداك الله في لحن الكلم     ماذا الذي تدعو إليه يغتنم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فإذا أنا بنحنحة ، وقائل يقول : ظهر النور وبطل الزور ، وبعث الله محمدا بالحبور صاحب النجيب الأحمر والتاج والمغفر والوجه الأزهر والحاجب الأقمر والطرف الأحور ، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله ، [ ص: 312 ] وذلك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض ، أهل المدر والوبر ثم أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحمد لله الذي     لم يخلق الخلق عبث
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لم يخلنا يوما سدى     من بعد عيسى واكترث
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرسل فينا أحمدا     خير نبي قد بعث
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صلى عليه الله ما     حج له ركب ، وحث

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيه من إنشاء قس بن ساعدة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا ناعي الموت والملحود في جدث     عليهم من بقايا قولهم خرق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم     فهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حتى يعودوا بحال غير حالهم     خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منهم عراة ومنهم في ثيابهم     منها الجديد ومنها المنهج الخلق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم رواه البيهقي عن أبي محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد الأصبهاني حدثنا أبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ الإخميمي بمكة ثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي ثنا أبو عبد الله بن مهدي ثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن [ ص: 313 ] المخزومي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر القصة ، وذكر الإنشاد قال : فوجدوا عند رأسه صحيفة فيها


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا ناعي الموت والأموات في جدث     عليهم من بقايا نومهم خرق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم     كما ينبه من نوماته الصعق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منهم عراة وموتى في ثيابهم     منها الجديد ومنها الأزرق الخلق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني بالحق ، لقد آمن قس بالبعث وأصله مشهور ، وهذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة وقد تكلم أبو محمد ابن درستويه على غريب ما وقع في هذه الأحاديث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنا أبو سعد بن محمد بن أحمد الشعيثي ثنا أبو عمرو بن أبي طاهر المحمدآباذي لفظا ، ثنا أبو لبابة محمد بن المهدي الإبيوردي ثنا أبي ثنا سعيد بن هبيرة ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن [ ص: 314 ] أنس بن مالك قال قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل قس بن ساعدة ؟ قالوا : هلك . قال : أما إني سمعت منه كلاما أرى أني أحفظه فقال بعض القوم : نحن نحفظه يا رسول الله قال : هاتوا فقال قائلهم : إني واقف بسوق عكاظ فقال : يا أيها الناس استمعوا واسمعوا وعوا ، كل من عاش مات ، وكل من مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر ، وجبال مرسية ، وأنهار مجرية ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا أرى الناس يموتون ولا يرجعون أرضوا بالإقامة فأقاموا أم تركوا فناموا . أقسم قس قسما بالله لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى مما أنتم عليه ، ثم أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في الذاهبين الأولي     ن من القرون لنا بصائر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما رأيت مواردا     للموت ليس لها مصادر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورأيت قومي نحوها     يسعى الأصاغر والأكابر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيقنت أني لا محالة     حيث صار القوم صائر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ساقه البيهقي من طرق أخر قد نبهنا عليها فيما تقدم ، ثم قال بعد ذلك كله : وقد روي هذا الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بزيادة ، ونقصان . وروي من وجه آخر عن الحسن البصري منقطعا ، وروي مختصرا من حديث سعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة قلت : وعبادة [ ص: 315 ] بن الصامت - كما تقدم - وعبد الله بن مسعود كما رواه أبو نعيم في كتاب الدلائل عن عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي عن أبي الوليد طريف بن عبيد الله مولى علي بن أبي طالب بالموصل عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود فذكره ، وروى أبو نعيم أيضا حديث عبادة المتقدم ، وسعد بن أبي وقاص ، ثم قال البيهقي : وإذا روى الحديث من أوجه أخر ، وإن كان بعضها ضعيفا دل على أن للحديث أصلا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية