الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ، أمر الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة : أنه إن جادله الكفار أي : خاصموه [ ص: 299 ] بالباطل وكذبوه ، أن يقول لهم : الله أعلم بما تعملون .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القول الذي أمر به تهديد لهم فقد تضمنت هذه الآية أمرين :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يهددهم بقوله : الله أعلم بما تعملون أي : من الكفر ، فمجازيكم عليه أشد الجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : الإعراض عنهم ، وقد أشار تعالى للأمرين اللذين تضمنتهما هذه الآية في غير هذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                                      أما إعراضه عنهم عند تكذيبهم له بالجدال الباطل فمن المواضع التي أشير له فيها قوله تعالى : وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [ 10 \ 41 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما تهديدهم فقد أشار له في مواضع ; كقوله : هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم [ 46 \ 8 ] وقوله : فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ 6 \ 147 ] فقوله ولا يرد بأسه الآية ، فيه أشد الوعيد للمكذبين ، كما قال ويل يومئذ للمكذبين [ 77 \ 15 ] في مواضع متعددة ، وهم إنما يكذبونه بالجدال ، والخصام بالباطل . وقد أمره الله في غير هذا الموضع أن يجادلهم بالتي هي أحسن وذلك في قوله : وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] وقوله : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [ 29 \ 46 ] وبين له أنهم لا يأتونه بمثل ليحتجوا عليه به بالباطل ، إلا جاءه الله بالحق الذي يدمغ ذلك الباطل ، مع كونه أحسن تفسيرا وكشفا وإيضاحا للحقائق وذلك في قوله ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [ 25 \ 33 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية