الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه يدفع السوء عن عباده الذين آمنوا به إيمانا حقا ، ويكفيهم شر أهل السوء ، وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى : ومن يتوكل على الله فهو حسبه الآية [ 65 \ 3 ] ، وقوله : أليس الله بكاف عبده [ 39 \ 36 ] وقوله تعالى : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم [ 9 \ 14 - 15 ] وقوله تعالى : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا الآية [ 40 \ 51 ] ، وقوله : وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ 30 \ 47 ] وقوله : وإن جندنا لهم الغالبون [ 37 \ 173 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو : إن الله يدافع عن الذين آمنوا بفتح الياء والفاء بينهما دال ساكنة مضارع دفع المجرد ، وعلى هذه القراءة ، فالمفعول محذوف أي يدفع عن الذين آمنوا الشر والسوء ، ; لأن الإيمان بالله هو أعظم أسباب دفع المكاره ، وقرأ الباقون : يدافع بضم الياء ، وفتح الدال بعدها ألف ، وكسر الفاء مضارع دافع المزيد فيه ألف بين الفاء والعين على وزن فاعل ، وفي قراءة الجمهور هذه إشكال معروف ، وهو أن المفاعلة تقتضي بحسب الوضع العربي اشتراك فاعلين في المصدر ، والله - جل وعلا - يدفع كل ما شاء من غير أن يكون له مدافع يدفع شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب : هو ما عرف من أن المفاعلة قد ترد بمعنى المجرد ، نحو : جاوزت المكان بمعنى جزته ، وعاقبت اللص ، وسافرت ، وعافاك الله ، ونحو ذلك ، فإن فاعل في جميع ذلك بمعنى المجرد ، وعليه فقوله : يدافع بمعنى : يدفع ، كما دلت عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وقال الزمخشري : ومن قرأ يدافع فمعناه : يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه ; لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ اهـ منه ، ولا يبعد عندي أن يكون [ ص: 262 ] وجه المفاعلة أن الكفار يستعملون كل ما في إمكانهم لإضرارهم بالمؤمنين ، وإيذائهم ، والله - جل وعلا - يدفع كيدهم عن المؤمنين ، فكان دفعه - جل وعلا - لقوة عظيمة أهلها في طغيان شديد ، يحاولون إلحاق الضرر بالمؤمنين وبهذا الاعتبار كان التعبير بالمفاعلة ، في قوله : يدافع ، وإن كان - جل وعلا - قادرا على إهلاكهم ، ودفع شرهم عن عباده المؤمنين ، ومما يوضح هذا المعنى الذي أشرنا إليه قول كعب بن مالك - رضي الله عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                      زعمت سخينة أن ستغلب ربها


                                                                                                                                                                                                                                      وليغلبن مغالب الغلاب



                                                                                                                                                                                                                                      والعلم عند الله تعالى : ومفعول يدافع : محذوف فعلى القول بأنه بمعنى : يدفع فقد ذكرنا تقديره ، وعلى ما أشرنا إليه أخيرا فتقدير المفعول : يدافع عنهم أعداءهم ، وخصومهم فيرد كيدهم في نحورهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية