الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون [ ص: 1648 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أي: واذكر بالثناء الجميل أخا عاد وهو هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه.

                                                                                                                                                                                                                                        إذ أنذر قومه وهم عاد بالأحقاف أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي: الرمال الكثيرة في أرض اليمن.

                                                                                                                                                                                                                                        وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم، قائلا لهم: ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم

                                                                                                                                                                                                                                        فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة.

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا أي: ليس لك من القصد ولا معك من الحق إلا أنك حسدتنا على آلهتنا فأردت أن تصرفنا عنها.

                                                                                                                                                                                                                                        فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين وهذا غاية الجهل والعناد.

                                                                                                                                                                                                                                        قال إنما العلم عند الله فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء. وأبلغكم ما أرسلت به أي: ليس علي إلا البلاغ المبين، ولكني أراكم قوما تجهلون فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة، فأرسل الله عليهم العذاب العظيم وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال: فلما رأوه أي: العذاب عارضا مستقبل أوديتهم أي: معترضا كالسحاب قد أقبل على أوديتهم التي تسيل فتسقي نوابتهم ويشربون من آبارها وغدرانها.

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا مستبشرين: هذا عارض ممطرنا أي: هذا السحاب سيمطرنا.

                                                                                                                                                                                                                                        قال تعالى: بل هو ما استعجلتم به أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم حيث قلتم: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ريح فيها عذاب أليم

                                                                                                                                                                                                                                        تدمر كل شيء تمر عليه من شدتها ونحسها.

                                                                                                                                                                                                                                        فسلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية بأمر ربها أي: بإذنه ومشيئته . فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم قد تلفت [ ص: 1649 ] مواشيهم وأموالهم وأنفسهم. كذلك نجزي القوم المجرمين بسبب جرمهم وظلمهم.

                                                                                                                                                                                                                                        هذا مع أن الله تعالى قد أدر عليهم النعم العظيمة فلم يشكروه ولا ذكروه ولهذا قال: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه أي: مكناهم في الأرض يتناولون طيباتها ويتمتعون بشهواتها



                                                                                                                                                                                                                                        وعمرناهم عمرا يتذكر فيه من تذكر، ويتعظ فيه المهتدي، أي: ولقد مكنا عادا كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون أي: فلا تحسبوا أن ما مكناكم فيه مختص بكم وأنه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئا، بل غيركم أعظم منكم تمكينا فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جنودهم من الله شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                        وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة أي: لا قصور في أسماعهم ولا أبصارهم ولا أذهانهم حتى يقال إنهم تركوا الحق جهلا منهم وعدم تمكن من العلم به ولا خلل في عقولهم ولكن التوفيق بيد الله. فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء لا قليل ولا كثير، وذلك بسبب أنهم يجحدون بآيات الله الدالة على توحيده وإفراده بالعبادة.

                                                                                                                                                                                                                                        وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي: نزل بهم العذاب الذي يكذبون بوقوعه ويستهزئون بالرسل الذين حذروهم منه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية