الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 361 ] القول في تأويل قوله ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ورفعنا فوقهم الطور " ، يعني : الجبل ، وذلك لما امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى فيها "بميثاقهم" ، يعني : بما أعطوا الله الميثاق والعهد : لنعملن بما في التوراة " وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا " ، يعني"باب حطة" ، حين أمروا أن يدخلوا منه سجودا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم "وقلنا لهم لا تعدوا في السبت" ، يعني بقوله : "لا تعدوا في السبت" ، لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما لم يبح لكم ، كما :

10773 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا " ، قال : كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس .

"وقلنا لهم لا تعدوا في السبت" ، أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا لها ، وأحل لهم ما وراء ذلك .

[ ص: 362 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام : ( لا تعدوا في السبت ) ، بتخفيف"العين" من قول القائل : "عدوت في الأمر" ، إذا تجاوزت الحق فيه ، "أعدو عدوا وعدوا وعدوانا وعداء" .

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة : ( وقلنا لهم لا تعدوا ) بتسكين"العين" وتشديد"الدال" ، والجمع بين ساكنين ، بمعنى : تعتدوا ، ثم تدغم "التاء" في"الدال" فتصير"دالا" مشددة مضمومة ، كما قرأ من قرأ ( أم من لا يهدي ) [ سورة يونس : 35 ] ، بتسكين "الهاء" .

وقوله : " وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " ، يعني : عهدا مؤكدا شديدا ، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به ، وينتهون عما نهاهم الله عنه ، مما ذكر في هذه الآية ، ومما في التوراة .

وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله كانوا أمروا بدخول الباب سجدا ، وما كان من أمرهم في ذلك وخبرهم وقصتهم وقصة السبت ، وما كان اعتداؤهم فيه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية