الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الالتفات في الصلاة

                                                                                                                                                                                                        718 حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد [ ص: 274 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 274 ] قوله : ( باب الالتفات في الصلاة ) لم يبين المؤلف حكمه ؛ لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع ؛ لكن الجمهور على أنها للتنزيه . وقال المتولي : يحرم إلا للضرورة ، وهو قول أهل الظاهر . وورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث ، منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت ، فإذا صرف وجهه عنه انصرف ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي . والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله . وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع ، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه ) هو أبو الشعثاء المحاربي ، ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند ابن خزيمة وزائدة عند النسائي ومسعر عند ابن حبان ، وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية عن مسروق . ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل ، فهذا اختلاف على أشعث ، والراجح رواية أبي الأحوص . وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق ، ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان ، أبوه وأبو عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها . وأما الرواية عن أبي وائل فشاذة ؛ لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هو اختلاس ) أي : اختطاف بسرعة ، ووقع في النهاية : والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة ، وفيه نظر . وقال غيره : المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له ، والناهب يأخذ بقوة ، والسارق يأخذ في خفية . فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس . وقال ابن بزيزة : أضيف إلى الشيطان ؛ لأن فيه انقطاعا .

                                                                                                                                                                                                        من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه . وقال الطيبي : سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس ؛ لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى ، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه ، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يختلس ) كذا للأكثر بحذف المفعول ، وللكشميهني " يختلسه " وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري . قيل : الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع ؛ لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف ، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه . ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم ، وقد تقدم الكلام عليه في " باب إذا صلى في ثوب له أعلام " في أوائل الصلاة . ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقه كان قريبا من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته ، وكأن المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة . ويحتمل أن [ ص: 275 ] يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه ؛ لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الصلاة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية