الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              374 - عطاء السليمي

              ومنهم ذو الخوف العظيم ، والقلب السليم ، عطاء السليمي .

              أنحله الفزع وأذبله الضرع ، فكانت المعرفة ذمامه ، والمخافة زمامه .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، ثنا سفيان بن عيينة ، أخبرني بشر بن منصور ، قال : قلت لعطاء السليمي : أرأيت لو أن نارا أشعلت ثم قيل : من دخلها نجا ، ترى كان أحد يدخلها ؟ فقال عطاء : لو قيل ذلك لي لخشيت أن تخرج نفسي قبل أن أصل إليها .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني محمد بن عباد ، ثنا سفيان بن عيينة ، أخبرني بشر بن منصور ، قال : قلت لعطاء السليمي : أرأيت لو أن نارا أوقدت ، فقيل لرجل : من دخل هذه النار دخل الجنة ، ترى أن أحدا من الناس يدخل فيها ؟ قال : إني أظن لو قيل لي ذلك لخرجت نفسي قبل أن أدخل فيها فرحا .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي ، ثنا سفيان بن عيينة ، ثنا بشر بن منصور ، قال : قال لي عطاء السليمي : يا أبا بشر لو أن نارا أججت فقيل لي ارم بنفسك فيها ، لا تصير إلى جنة ولا إلى نار لظننت أن نفسي ستخرج فرحا قبل أن أصير إليها .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن بشر بن منصور ، قال : قلت [ ص: 216 ] لعطاء السليمي : - وهو جار له - أرأيت لو أن إنسانا قيل له : وقد أوقدت نار ، من دخل هذه النار نجا من النار ، فقال عطاء : لو قيل لي ذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن أقع فيها .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا موسى بن هلال العبدي ، حدثني بشر بن منصور ، قال : كنت أوقد بين يدي عطاء العبدي - وهو السليمي - في غداة باردة فقلت له : يا عطاء يسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار ولا تبعث إلى الحساب ، قال : فقال لي : إي ورب الكعبة ، قال : ثم قال : والله مع ذلك لو أمرت بذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن أصل إليها .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا عمرو بن أبي رزين ، عن بشر بن منصور ، قال : كنت مع عطاء السليمي في بيت ، ونار قد أججت في ناحية البيت ، فقال لي : يا بشر لو أن قائلا قال لي من قبل ربي خيرني ، فقال : اختر أن تلقي نفسك في هذه النار ولا تبعث للحساب ، أم تخرج من الدنيا على حالك لا تدري إلى الجنة تصير أم إلى نار ؟ قال : لظننت يا بشر أن نفسي ستخرج فرحا اختيارا لها قبل أن أقع فيها .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن بشر بن منصور ، قال : كان عطاء السليمي يعجبه الصلاء ، فذكر نحوا من حديث عمرو بن أبي رزين ، وقال في حديثه : إني والله الذي لا إله إلا هو لو كان ذلك لظننت أن نفسي تخرج فرحا قبل أن أقع فيها ، قال عبد الرحمن : وكان قد أقعد من الخوف .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد ، حدثني أبو عبد الله بن عبيدة ، ثنا يحيى بن راشد ، ثنا مرجا بن وادع الراسبي ، قال : دخلنا على عطاء السليمي وهو يوقد تحت قدر ، فقال له بعضنا : أيسرك أنك أحرقت بهذه النار ولم تبعث ، قال : أو تصدقوني فوالله لوددت أني أحرقت بها ثم أحرقت ، ثم أحرقت ، ولم أبعث .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا الحسن بن هارون بن سليمان ، ثنا سليمان بن [ ص: 217 ] داود ، ثنا نعيم بن مورع ، قال : أتينا عطاء السليمي وكان عابدا ، فدخلنا عليه فجعل يقول : ويل لعطاء ، ليت عطاء لم تلده أمه ، وعليه مدرعة ، فلم يزل كذلك حتى اصفرت الشمس ، فذكرنا بعد منازلنا فقمنا وتركناه ، وكان يقول في دعائه : اللهم ارحم غربتي في الدنيا ، وارحم مصرعي عند الموت ، وارحم وحدتي في قبري ، وارحم قيامي بين يديك .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، ثنا علي بن بكار ، قال : تركت عطاء السليمي بالبصرة حين خرجت إلى ههنا - يعني الثغر - ثم قال علي : فمكث عطاء السليمي أربعين سنة على فراشه لا يقوم من الخوف ، ولا يخرج ، وكان يتوضأ على فراشه ، ثم قال علي : وأي شيء أربعين سنة ؟ لقد أطاع الله عدد شعر رأسه وجسده .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني عبيد الله بن محمد القرشي ، قال : سمعت صالحا - وذكر عطاء السليمي ، وذكر ما بلغ الخوف منه - فقال : اللهم إنا نسألك خوفا غير باهض - قال عبيد الله : الذي يقرح - ولا قاطع ، ولا جاهد ، خوفا مقويا على طاعتك ، حاجزا عن معصيتك .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثنا أحمد بن الحواري ، قال : سمعت أبا سليمان ، يقول : كان عطاء السليمي قد اشتد خوفه ، وكان لا يسأل أبدا الجنة ، فإذا ذكرت عنده الجنة ، قال : نسأل الله العفو .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن يحيى ، حدثني محمد بن مرزوق ، عن من ذكره ، قال : نسي عطاء السليمي القرآن من الخوف .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا محمد بن يحيى بن أبي حاتم ، ثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي ، عن أبي جعفر السائح ، قال : كان عطاء السليمي ، يقول : التمسوا لي هذه الأحاديث في الرخص ، عسى الله أن يروح عني ما أنا فيه من الغم .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، أخبرت عن نعيم بن مورع [ ص: 218 ] بن توبة العنبري ، قال : كان عطاء السليمي إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديدا ، فيقال له في ذلك فيقول : إني أريد أن أقدم على أمر عظيم ، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا ابن عبيدة ، حدثني يحيى بن راشد ، حدثني العلاء بن محمد ، قال : دخلت على عطاء السليمي وقد غشي عليه ، فقلت لامرأته أم جعفر : ما شأن عطاء ؟ فقالت : سجرت جارتنا التنور فنظر إليها فخر مغشيا عليه .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثتني عفيرة العابدة ، وكانت قد ذهب بصرها من العبادة ، قالت : كان عطاء إذا بكى بكى ثلاثة أيام وثلاث ليال .

              قالت عفيرة : وحدثني إبراهيم المحلي قال : أتيت عطاء السليمي فلم أجده في بيته ، قال : فنظرت فإذا هو في ناحية الحجرة جالس وإذا حوله بلل ، قال فظننت أنه أثر وضوء توضأه ، فقالت لي عجوز معه في الدار : هذا أثر دموعه .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا عمرو بن أبي رزين ، وعبد الله بن سليمان - يزيد أحدهما على صاحبه - عن صالح المري ، قال : كان عطاء السليمي قد أضر بنفسه حتى ضعف ، قال : فقلت له : إنك قد أضررت بنفسك ، وأنا متكلف لك شيئا فلا ترد علي كرامتي ، قال : أفعل ، قال : فاشتريت سويقا من أجود ما وجدت ، وسمنا فجعلت له شريبة فلتتها وحليتها فأرسلت بها مع ابني وكوزا من ماء ، فقلت له : لا تبرح حتى يشربها ، قال : فرجع فقال : قد شربها ، فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني ، فرجع بها لم يشربها ، قال : فأتيته فلمته وقلت له : سبحان الله رددت علي كرامتي !! إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله ، قال : فلما رآني قد وجدت من ذلك قال :يا أبا بشر لا يسوءك الله ، قد شربتها أول ما بعثت بها ، فلما كان الغد زاولت نفسي على أن أسيغها فما قدرت على ذلك ، إذا أردت أن أشربه ذكرت هذه الآية : ( يتجرعه ) [ ص: 219 ] ( ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان ) الآية . فبكى صالح عندها ، فقلت في نفسي : ألا أراني في واد وأنت في آخر .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن قدامة ، ثنا سعدان بن جامع ، عن مسكين أبي فاطمة ، عن صالح المري ، قال : قلت لعطاء السليمي : إنك قد ضعفت فلو صنعنا لك سويقا وتكلفناه ، قال : فصنعت له سويقا فشرب منه شيئا ، ثم مكث أياما لا يشرب ، فقلت : صنعنا لك سويقا وتكلفناه ، فقال : يا أبا بشر إني إذا ذكرت النار لم أسغه .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا موسى بن هلال ، حدثني موسى بن سعيد ، عن صالح المري ، قال : أتيت عطاء فقلت : يا شيخ ، قد خدعك إبليس ، فلو شربت كل يوم شربة من سويق فتقوى على صلاتك وعلى وضوئك ، قال : فأعطاني ثلاثة دراهم ، وقال : يا أبا صالح تعهدني كل يوم بشربة من سويق ، قال : فأخذت قدر ثمن كيجلة ، قال : فدققت فيها سكرا ولتتها بسمن وقلة ماء ، وألقيت دراهمه تحت فراشي ، قال : فاحتبس ابني طويلا ، فقلت له : أي شيء حبسك ؟ قال :يا أبت بعد الشد شربها ، قال : فسكت عنه حتى إذا كان من الغد لذلك الوقت أرسلت إليه بثمنها ، فاحتبس علي ابني احتباسا شديدا قال : ثم جاء فقلت : يا بني أي شيء حبسك ، قال : يا أبت شرب منه ، وبقي منه فسقاني فشربته ، فقلت : نصف شربة خير من لا شيء ، قال : حتى إذا كان من الغد أرسلت إليه مثلها ، فإذا ابني قد ردها علي ، فقلت : ما لك ؟ قال : اذهب إلى أبيك قل لا أستطيع شربها ، قال : فقمت فأتيته فقلت : يا شيخ قد خدعك إبليس ، قال : فقال لي : ويحك يا صالح ، إني والله إذا ذكرت جهنم ما يسيغني طعام ولا شراب . قال : قلت : أنت والله في واد وأنا في واد لا عاتبتك أبدا .

              حدثنا الوليد بن أحمد ، ومحمد بن أحمد بن النضر ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا محمد بن يحيى الواسطي ، ح . وحدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني الصلت بن حكيم ، حدثني أبو يزيد الهدادي ، قال : انصرفت ذات يوم من الجمعة ، فإذا عطاء السليمي ، وعمر بن [ ص: 220 ] درهم يمشيان - وكان قد بكى حتى عمش - وكان قد صلى حتى دبر ، فقال - عمر لعطاء : حتى متى نلهو ونلعب وملك الموت في طلبنا لا يكف ؟ قال : فصاح عطاء صيحة خر مغشيا عليه ، فانشج موضحة واجتمع الناس ، وقعد - عمر عند رأسه فلم يزل على حاله حتى المغرب ، ثم أفاق فحمل .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا الصلت بن حكيم ، عن بكار ، عن سعير ، قال : مررت بعطاء السليمي ، فقال : من أين جئت ؟ قلت : من عند أخيك الحسن ، قال: فما قال ؟ قلت ، قال : الدنيا مطية المؤمن إلى ربه ، عليها يرتحل المؤمن إلى ربه ، فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم ، قال فخر عطاء مغشيا عليه .

              حدثنا الوليد بن أحمد ، ومحمد بن أحمد بن النضر ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا الصلت بن حكيم ، ثنا العلاء بن محمد البصري ، قال : شهدت عطاء السليمي خرج في جنازة فغشي عليه أربع مرات حتى صلى عليها ، كل ذلك يغشى عليه ثم يفيق ، فإذا نظر إلى الجبان خر مغشيا عليه .

              حدثنا الوليد بن أحمد ومحمد ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا صالح بن أبي ضرار ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن خليد بن دعلج ، قال : كنا عند عطاء السليمي ، فقيل له : إن فلان بن علي قتل أربعمائة من أهل دمشق على دم واحد ، فقال متنفسا : هاه . ثم خر ميتا .

              حدثنا الوليد ومحمد ، قالا: ثنا عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا سجف بن منظور ، ثنا سرار أبو عبيدة ، قال : انقطع عطاء السليمي قبل موته بثلاثين سنة ، قال : وما رأيت عطاء إلا وعيناه تفيضان ، قال : وما كنت أشبه عطاء إذا رأيته إلا بالمرأة الثكلى ، قال : وكأن عطاء لم يكن من أهل الدنيا .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني سيار بن حاتم ، حدثني بشر بن منصور ، قال : كنت أسمع عطاء السليمي كل عشية بعد العصر يقول : غدا عطاء في القبر ، غدا عطاء في القبر .

              [ ص: 221 ] حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن حماد بن زيد ، قال : كان عطاء لا يتكلم ، فإذا تكلم قال : عطاء غدا هذه الساعة في القبر .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد ، حدثني أبو عبد الله بن عبيدة ، قال : سمعت عفيرة تقول : لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة ، فرفع رأسه مرة ففزع فسقط ، ففتق فتقا في بطنه .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عبد الله بن عبيدة ، حدثني يحيى بن راشد ، ثنا العلاء بن محمد ، قال : رأيت عطاء السليمي كالشن البالي ، وكنت إذا رأيت عطاء كأنه رجل ليس من أهل الدنيا ، ودخلت عليه ، فقالت امرأته : أما ترى عطاء بكى الليل والنهار لا يفيق .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدثني سيار ، قال : سمعت جعفرا ، يقول : هاجت ريح بالبصرة وظلمة ، قال : فتشاغل الناس إلى المساجد ، قال فقلت : أنا إلى من أذهب ؟ قال : فأتيت عطاء فإذا هو قائم في الحجرة ويده على رأسه ، قال : وهو يقول : إلهي لم أكن أرى أن تبقيني حتى تريني أعلام القيامة ، قال : فما زال قائما في مقامه ذلك حتى أصبح .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عبيدة ، ثنا يحيى بن راشد ، ثنا مرجا بن وادع الراسبي ، قال : كان عطاء إذا هبت ريح وبرق ورعد ، قال : هذا من أجلي يصيبكم ، لو مات عطاء استراح الناس ، قال : وكنا ندخل على عطاء ، فإذا قلنا له : زاد الطعام ، قال : هذا من أجلي يصيبكم غلاء الطعام ، لو مت أنا لاستراح الناس .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني محمد بن صالح الضبي ، قال : قال عطاء السليمي لمالك بن دينار : يا أبا يحيى شوقنا فقال له : إن في الجنة حورا يتباهى [ ص: 222 ] بها أهل الجنة من حسنها ، لولا أن الله كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا عن آخرهم من حسنها ، قال : فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك أربعين عاما .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، حدثني أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثني أبو عبد الله بن عبيدة ، حدثني عبد الملك بن قريب الأصمعي ، حدثني أبو يزيد ، قال : قال عطاء : مات حبيب ، مات مالك ، مات فلان ، ليتني مت فكان أهون لعذابي .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، حدثني محمد بن عمرو ، ثنا معاوية الكندي ، قال : كان عطاء صائما فدخل الماء في يوم صائف فسكن عنه العطش ، فقال : يا نفس إنما طلبت لك الراحة ، لا دخلت بعد هذا اليوم الماء أبدا ، قال : وكان عند حجام والمحجم على عنقه فمر صبي بيده مشعلة نار فأصابت النار الريح فسمع ذلك منها ، فخر مغشيا عليه فحمل إلى منزله لا يعقل .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عبيد الله بن عبيدة ، حدثني خزيمة بن زرعة ، ثنا محمد بن كثير ، عن إبراهيم بن أدهم ، قال : كان عطاء يمس جسده بالليل خوفا من ذنوبه مخافة أن يكون قد مسخ ، وكان إذا انتبه يقول : ويحك يا عطاء ويحك .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا غسان بن المفضل ، ثنا بشر بن منصور السليمي ، قال : كان عطاء يرى - أو يقول - إنه شر من أبي مسلم بستين مرة .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا خلف بن عبيد الله ، ثنا نصر بن علي ، ح . وحدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، قالا : ثنا الأصمعي ، ثنا معتمر بن سليمان ، قال : قلت لجار لعطاء السليمي : من كان يستقي لعطاء وضوءه ، قال : كان في داره مخنثون فكانوا يستقون له ، قال : فقلت أما كان يقذرهم ، قال : كانوا عنده خيرا من نفسه بكثير .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني [ ص: 223 ] إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : سمعت عبد الخالق ، قال : قال رجل لعطاء يوما : ما هذا الذي تصنع بنفسك ؟ قتلت نفسا ؟ أي شيء صنعت ؟ قال : اصطدت حماما لجار لي منذ أربعين سنة ، قال : ثم ؟ قال : أما إني تصدقت بثمنه كأنه لم يعرف صاحبه .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : سمعت عبد الخالق بن عبد الله العبدي ، قال : كان عطاء إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور ثم يقول : يا أهل القبور متم فواموتتاه ، ثم يبكي ويقول : يا أهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه ، فلا يزال كذلك حتى يصبح .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني سليمان بن أيوب البصري ، حدثني مرجا بن وادع ، قال : قال عطاء السليمي : كنت أشتهي الموت وأتمناه فأتاني آت في منامي فقال : يا عطاء أتتمنى الموت ؟ فقلت : أين ذاك ؟ قال : فتقلب في وجهه ثم قال : لو عرفت شدة الموت وكربه حتى يخالط قلبك معرفته لطار نومك أيام حياتك ولذهل عقلك حتى تمشي في الناس والها ، قال عطاء : طوبى لمن نفعته عيشته فكان طول عمره زيادة في عمله ، ووالله ما أرى عطاء كذلك ثم بكى .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو جعفر الطباع ، قال : سمعت مخلدا ، يقول : ما رأيت أحدا كان أفضل من عطاء ، فلقد كانت الفاكهة تمر بما فيها لا يعلم سعرها ولا يعرفها .

              حدثنا الوليد بن أحمد ، ومحمد بن أحمد بن النضر ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا شعيب بن محمد الأزدي ، حدثني صالح المري ، قال : قال لي عطاء : يا أبا بشر أشتهي الموت ، ولا أرى أن لي فيه راحة ، غير أني قد علمت أن الميت قد حيل بينه وبين الأعمال فاستراح من أن يعمل بمعصية فيحبط على نفسه ، والحي في كل يوم هو من نفسه على وجل ، وآخر ذلك كله الموت .

              [ ص: 224 ] حدثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي ، ثنا حبيب بن نصر المهلبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني شعيب بن محرز ، حدثني صالح المري ، قال : قلت لعطاء السليمي ما تشتهي ؟ فبكى فقال : أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رمادا لا يجتمع منه سفة أبدا في الدنيا ولا في الآخرة ، قال صالح : فأبكاني والله ، وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر يوم الحساب .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ، ثنا بشر بن منصور ، قال : كان عطاء السليمي يقول : رب ارحم في الدنيا غربتي وفي القبر وحدتي ، وطول مقامي غدا بين يديك .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن بهرام الأندحي ، ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا شداد بن علي الهفاني ، ثنا عبد الواحد بن زيد ، قال : دخلنا على عطاء السليمي وهو في الموت ، فنظر إلي أتنفس ، فقال : ما لك ؟ فقلت : من أجلك ، فقال : والله لوددت أن نفسي بقيت بين لهاتي وحنجرتي تتردد إلى يوم القيامة مخافة أن تخرج إلى النار .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن إبراهيم ، ثنا سيار ، ثنا مسكين أبو فاطمة ، قال : سمعت عطاء السليمي ، يقول : بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العلم والعقل والبيان .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني محمد بن عباد ، ثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثونا ، قال : كان إذا قالوا لعطاء السليمي : ادع لنا ، قال : اللهم لا تمقتنا ، فإن كنت مقتنا فاغفر لنا .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن زيد ، قال : رجعنا من جنازة فدخلنا على عطاء السليمي فلما رآنا كأنه خاف أن يدخله شيء أي لكثرتنا ، فقال : اللهم لا تمقتنا - أو اللهم لا تمقتني - ثم قال :سمعت جعفر بن زيد العبدي يقول : مر رجل فجلس فأثنوا عليه خيرا فلما جاوزهم قام ، وقال : اللهم إن كان هؤلاء لا يعرفوني فأنت تعرفني .

              حدثنا الوليد بن أحمد ، ومحمد بن أحمد بن النضر ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن [ ص: 225 ] أبي حاتم ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني أحمد بن إسحاق الحضرمي ، ثنا إبراهيم بن يعقوب ، قال : كان عطاء السليمي إذا سمع صوت الرعد ، قام وقعد وأخذ ببطنه كأنه امرأة ماخض ويقول : قد كنت أرجو أن أموت قبل أن يجيء الشتاء .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني عبد الله بن عمر القواريري ، قال : سمعت حماد بن زيد ، يقول : زعم عطاء قال :سمعت جعفر بن زيد العبدي ، يقول : مر رجل بقوم فأثنوا عليه وأسمعوه فلما جاوزهم وقف ، قال : وأشار عبيد الله برأسه إلى السماء فقال : اللهم إن كانوا لا يعرفوني فأنت تعرفني .

              حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني نصر بن علي ، ثنا نوح بن قيس ، حدثني عطاء السليمي ، قال : رأيت عبد الله بن غالب جاء إلى ابن الأشعث وهو في جوانا على منبر من حديد ، ومعه أصحابه عليهم الثياب البيض متحنطين فصعد إليه المنبر ، فقال : علام نبايعك ؟ قال :على كتاب الله وسنة رسول الله فبايعه ، فكان يوجد من قبره ريح المسك .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني عبد الله بن أبي جميل المروزي ، عن حفص بن حميد ، عن ابن المبارك ، قال : قيل لعطاء : لقيت الحسن ، قال : مع ابن عون مرة ، قال ابن المبارك : لكن مع غير ابن عون مرارا .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني أبو عبد الله ، ثنا الأصمعي ، حدثني حماد بن زيد ، قال : قلت لعطاء : عندك عن أنس شيء ؟ قال : اذهب إلى فلان ، قال : وأرسلني إلى شيخ وأبى أن يعترف لي بشيء يرويه عن أنس .

              أدرك عطاء السليمي أنس بن مالك وأيامه ، ولم يسند عنه شيئا ، ولقي الحسن ، وعبد الله بن غالب الحداني ، ومالك بن دينار ، وجعفر بن زيد العبدي [ ص: 226 ] وسمع منهم وحكى عنهم ، ونقل مسانيده ورواياته .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا الفضل بن أحمد بن العباس ، ثنا محمد بن محمد بن مرزوق ، ثنا إسماعيل بن نصر ، ثنا صالح المري ، قال : كان عطاء لا يسأل الله الجنة ، فقلت له : إن أبانا - يعني ابن عباس - حدثني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول الله تعالى : " انظروا في ديوان عبدي ، فمن رأيتموه يسألني الجنة أعطيته ، ومن استعاذني من النار أعذته " فقال لي عطاء : كفاني أن يجيرني من النار .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية