الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 535 ] ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها ولى الخليفة المعتمد على الله ليعقوب بن الليث بلخ وطخارستان وما يلي ذلك من كرمان وسجستان والسند وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفر منها عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن ، وأضاف إليه في رمضان نيابة بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس ، وأذن له أن يستنيب في ذلك كله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تواقع سعيد الحاجب وصاحب الزنج في أراضي البصرة فهزمه سعيد الحاجب واستنقذ من يده خلقا من النساء والذرية ، واسترجع منه أموالا جزيلة ، وأذل الزنج غاية الإهانة والمذلة . ثم إن الزنج بيتوا سعيدا وجيشه فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، ويقال : إن سعيد بن صالح قتل أيضا . ثم التقى مع منصور بن جعفر الخياط في جيش كثيف ، فهزمهم هذا الخارجي صاحب الزنج المدعي أنه طالبي ، وهو كاذب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير : وفيها ظفر ببغداد - بموضع يقال له : بركة زلزل - برجل خناق قد قتل خلقا من النساء ، فحمل إلى المعتمد فضرب بين يديه بألفي سوط [ ص: 536 ] وأربعمائة أرزن فلم يمت حتى ضرب الجلادون على أنثييه بخشب العقابين فمات ، ورد إلى بغداد وصلب هناك ، ثم أحرقت جثته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ليلة الرابع عشر من شوال من هذه السنة كسف القمر وغاب أكثره ، وفي صبيحة هذا اليوم دخل جيش الخبيث إلى البصرة قهرا ، فقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وهرب نائبها بغراج ومن معه ، وأحرقت الزنج جامع البصرة ودورا كثيرة وانتهبوها ، ثم نادى فيهم إبراهيم بن يحيى المهلبي أحد أصحاب الخارجي : من أراد الأمان فليحضر . فاجتمع خلق كثير من أهلها ، فرأى أنه قد أصاب فرصة فغدر بهم وأمر بقتلهم ، فلم يفلت منهم إلا الشاذ ، كانت الزنج تحيط بالجماعة من أهل البصرة ثم يقول بعضهم لبعض : كيلوا - وهي الإشارة بينهم إذا أرادوا قتل أحد - فيحملون عليهم بالسيوف فلا تسمع إلا تشهد أولئك وضجيجهم عند القتل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وهكذا كل محلة من محال البصرة في عدة أيام ، وهرب الناس منهم كل مهرب ، وحرقوا الكلأ من الجبل إلى الجبل ، فحرقت النار ما وجدت من شيء ; من إنسان أو بهيمة أو أثاث أو غير ذلك ، وأحرقوا المسجد الجامع أيضا ، وقد قتل في هؤلاء جماعة كثيرة من الأعيان والأدباء والفضلاء والمحدثين والعلماء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وكان هذا الخبيث قد أوقع بأهل فارس وقعة عظيمة ، ثم بلغه أن أهل البصرة قد جاءهم من الميرة شيء كثير وقد اتسعوا بعد الضيق فحسدهم على ذلك ، فروى ابن جرير عن من سمعه يقول : دعوت الله على أهل البصرة فخوطبت فقيل [ ص: 537 ] لي : إنما أهل البصرة خبزة تأكلها من جوانبها ، فإذا انكسر نصف الرغيف خربت البصرة . فأولت ذلك بانكساف القمر . وقد كان هذا شائعا في أصحابه حتى وقع الأمر طبق ذلك ، ولا شك أن هذا كان معه شيطان يخاطبه ، كما كان يأتي شيطان مسيلمة إلى مسيلمة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما أوقع أصحابه من الزنج وغيرهم ما أوقعوا بأهل البصرة قال لمن معه : إني صبيحة ذلك اليوم دعوت الله على أهل البصرة فرفعت لي بين السماء والأرض ورأيت أهلها يقتلون ، ورأيت الملائكة تقاتل مع أصحابي ، وإني لمنصور على الناس ، والملائكة تقاتل معي ، وتثبت جيوشي ، وتؤيدني في حروبي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما صار إليه العلوية الذين كانوا بالبصرة انتسب حينئذ إلى يحيى بن زيد ، وهو كاذب في ذلك بالإجماع ; لأن يحيى بن زيد لم يعقب إلا بنتا ماتت ، وهي ترضع ، فقبح الله هذا اللعين ، ما أكذبه وأفجره وأغدره!

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مستهل ذي القعدة وجه الخليفة من سامرا جيشا كثيفا مع الأمير محمد المعروف بالمولد لقتال صاحب الزنج فقبض في طريقه على سعيد بن أحمد الباهلي الذي كان قد تغلب على أرض البطائح وأخاف السبل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها خالف محمد بن واصل السلطان بأرض فارس وتغلب عليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وثب رجل من الروم يقال له : بسيل الصقلبي . على ملك الروم ميخائيل بن توفيل ، فقتله واستحوذ على مملكة الروم ، وقد كان لميخائيل في [ ص: 538 ] ملك الروم أربع وعشرون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن إسحاق بن إسماعيل بن محمد بن علي العباسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية