الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الله بن لهيعة ( د ، ت ، ق )

                                                                                      ابن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان القاضي الإمام العلامة ، [ ص: 12 ] محدث ديار مصر مع الليث ، أبو عبد الرحمن الحضرمي الأعدولي ويقال : الغافقي ، المصري ، ويقال : يكنى أبا النضر ، ولم يصح . ولد سنة خمس أو ست وتسعين . وطلب العلم في صباه ، ولقي الكبار بمصر والحرمين . وسمع من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج صاحب أبي هريرة ، ومن موسى بن وردان ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن شعيب ، وعمرو بن دينار ، ويزيد بن أبي حبيب ، وأبي وهب الجيشاني ، ومشرح بن هاعان ، وعبيد الله بن أبي جعفر ، وعكرمة مولى ابن عباس - إن صح ذلك - وكعب بن علقمة ، وقيس بن الحجاج ، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة ومحمد بن المنكدر ، وأبي الزبير ، ويزيد بن عمرو المعافري ، وأبي يونس مولى أبي هريرة ، وأبي عشانة المعافري ، وأبي قبيل المعافري ، وأحمد بن خازم المعافري ، وبكر بن عمرو المعافري ، وشرحبيل بن شريك المعافري ، وعامر بن يحيى المعافري ، وبكير بن الأشج ، وجعفر بن ربيعة ، ودراج أبي السمح ، وعقيل بن خالد ، وعمرو بن جابر الحضرمي ، وخلق كثير .

                                                                                      وعنه : حفيده أحمد بن عيسى بن عبد الله ، وعمرو بن الحارث ، والأوزاعي ، وشعبة ، والثوري - وماتوا قبله - والليث بن سعد ، ومالك - ولم يصرح باسمه - وابن المبارك ، والوليد بن مسلم ، وابن وهب ، وأشهب ، وزيد بن الحباب ، وأبو عبد الرحمن المقرئ ، ومروان بن محمد ، وبشر بن عمر الزهراني ، والحسن بن موسى الأشيب ، وأسد بن [ ص: 13 ] موسى ، وإسحاق بن عيسى بن الطباع ، وسعيد بن أبي مريم ، وسعيد بن عفير ، وعثمان بن صالح ، والنضر بن عبد الجبار ، ويحيى بن إسحاق ، ويحيى بن بكير ، وحسان بن عبد الله الواسطي ، وأبو صالح الكاتب ، والقعنبي ، وعمرو بن خالد ، وكامل بن طلحة ، وقتيبة بن سعيد ، ومحمد بن رمح ، ومحمد بن الحارث صدرة ، وخلق كثير ، خاتمتهم ابن رمح . وكان من بحور العلم على لين في حديثه .

                                                                                      قال روح بن صلاح : لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيا .

                                                                                      قلت : لقي جماعة من أصحاب أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وعقبة بن عامر .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه ؟!

                                                                                      حدثني إسحاق بن عيسى أنه لقيه في سنة أربع وستين ، وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين ومائة .

                                                                                      وقال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة .

                                                                                      وقال أحمد بن صالح : كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم .

                                                                                      وقال زيد بن الحباب : قال سفيان الثوري : عند ابن لهيعة الأصول ، وعندنا الفروع .

                                                                                      وقال عثمان بن صالح السهمي : احترقت دار ابن لهيعة وكتبه ، وسلمت أصوله ، كتبت كتاب عمارة بن غزية من أصله . [ ص: 14 ]

                                                                                      ولما مات ابن لهيعة قال الليث : ما خلف مثله .

                                                                                      لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معا ، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة ، والأوزاعي عالم الشام ، ومعمر عالم اليمن ، وشعبة والثوري عالما العراق ، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان ، ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان ، وروى مناكير ، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم .

                                                                                      وبعض الحفاظ يروي حديثه ، ويذكره في الشواهد ، والاعتبارات ، والزهد والملاحم لا في الأصول .

                                                                                      وبعضهم يبالغ في وهنه ، ولا ينبغي إهداره ، وتتجنب تلك المناكير ، فإنه عدل في نفسه .

                                                                                      وقد ولي قضاء الإقليم في دولة المنصور دون السنة ، وصرف . أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته ، وأخرج له أبو داود ، والترمذي ، والقزويني . وما رواه عنه ابن وهب ، والمقرئ ، والقدماء ، فهو أجود . [ ص: 15 ] وقع لي من عوالي حديثه .

                                                                                      وكان يحيى بن سعيد القطان لا يراه شيئا . قاله علي بن المديني ، ثم قال علي : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، وقيل له : تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة ؟ فقال : لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا ، ثم قال عبد الرحمن : كتب إلي ابن لهيعة كتابا فيه : حدثنا عمرو بن شعيب ، فقرأته على ابن المبارك ، فأخرج إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة ، قال : أخبرني إسحاق بن أبي فروة ، عن عمرو بن شعيب .

                                                                                      وقال نعيم بن حماد : سمعت ابن مهدي يقول : ما أعتد بشيء سمعت من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه .

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، وكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه . وكان الليث أكبر منه بسنتين .

                                                                                      روى يعقوب الفسوي عن سعيد بن أبي مريم ، قال : كان حيوة بن شريح أوصى إلى رجل ، وصارت كتبه عنده ، وكان لا يتقي الله ، يذهب فيكتب من كتب حيوة الشيوخ الذين شاركه فيهم ابن لهيعة ، ثم يحمل إليه ، فيقرأ عليهم ، وحضرت ابن لهيعة وقد جاءه قوم حجوا يسلمون عليه ، فقال : هل كتبتم حديثا طريفا ؟ فجعلوا يذاكرونه ، حتى قال بعضهم : حدثنا القاسم العمري ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا رأيتم الحريق فكبروا ، فإن التكبير يطفئه فقال : هذا حديث [ ص: 16 ] طريف . قال : فكان يقول : حدثنا به صاحبنا فلان ، فلما طال ذلك نسي الشيخ ، فكان يقرأ عليه ، ويرويه عن عمرو بن شعيب .

                                                                                      ميمون بن أصبغ : سمعت ابن أبي مريم يقول : حدثنا القاسم بن عبد الله بن عمر ، عن عمرو بن شعيب بحديث الحريق . ثم قال سعيد : هذا سمعه ابن لهيعة من زياد بن يونس الحضرمي ، عن القاسم ، فكان ابن لهيعة يستحسنه . ثم إنه بعد قال : إنه يرويه عن عمرو بن شعيب .

                                                                                      وقال يحيى بن بكير : قيل لابن لهيعة : إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب ، فضاق ابن لهيعة ، وقال : وما يدري ابن وهب ؟ سمعت هذه الأحاديث من عمرو قبل أن يلتقي أبواه .

                                                                                      قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : ما حديث ابن لهيعة بحجة ، وإني لأكتبه أعتبر به ، وهو يقوى بعضه ببعض .

                                                                                      أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود ، قال لي ابن أبي مريم : لم تحترق كتب ابن لهيعة ولا كتاب ، إنما أرادوا أن يعفو عليه أمير فأرسل إليه أمير بخمسمائة دينار .

                                                                                      وسمعت قتيبة يقول : كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن [ ص: 17 ] أخيه ، أو كتب ابن وهب ، إلا ما كان من حديث الأعرج .

                                                                                      جعفر الفريابي : سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول : قال لي أحمد بن حنبل : أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح ، فقلت : لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب ، ثم نسمعه من ابن لهيعة .

                                                                                      قال أبو صالح الحراني : قال لي ابن لهيعة : ما تركت ليزيد بن أبي حبيب حرفا .

                                                                                      قال عثمان بن صالح السهمي ، عن إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر ، قال : أنا حملت رسالة الليث إلى مالك ، وأخذت جوابها ، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة ، فأخبره بحاله ، فقال : ليس يذكر الحج ؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه .

                                                                                      قال الثوري : حججت حججا لألقى ابن لهيعة .

                                                                                      وقال محمد بن معاوية : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : وددت أني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث ، وأني غرمت مودى ، كأنه يعني دية .

                                                                                      أبو الطاهر بن السرح : سمعت ابن وهب يقول : حدثني - والله - الصادق البار عبد الله بن لهيعة ، قال أبو الطاهر : فما سمعته يحلف بهذا قط ، وروى حنبل عن أبي عبد الله ، قال : ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب . [ ص: 18 ] قال أبو داود عن أحمد : ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة . البخاري عن يحيى بن بكير : احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين .

                                                                                      قلت : الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله .

                                                                                      يعقوب الفسوي : سمعت أحمد بن صالح يقول : ابن لهيعة صحيح الكتاب ، كان أخرج كتبه ، فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه إملاء ، فمن ضبط كان حديثه حسنا صحيحا ، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويحسن ، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصححون ، وآخرون نظارة ، وآخرون سمعوا مع آخرين ، ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابا ، ولم ير له كتاب . وكان من أراد السماع منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه ، وجاءه فقرأه عليه ، فمن وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح ، ومن كتب من نسخة لم تضبط جاء فيه خلل كثير . ثم ذهب قوم ، فكل من روى عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع من عطاء ، وروى عن رجل عنه وعن رجل عن آخر عنه ، وعن ثلاثة عن عطاء . قال : فتركوا من بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء . قال يعقوب : كتبت عن ابن رمح كتابا ، عن ابن لهيعة ، وكان فيه نحو مما وصف أحمد بن صالح ، فقال : هذا وقع على رجل ضبط إملاء ابن لهيعة . فقلت له في حديث ابن لهيعة ؟ فقال : لم تعرف مذهبي في الرجال ، إني أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصره على ترك حديثه . [ ص: 19 ] وسمعت أحمد بن صالح يقول : كتبت حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود في الرق ، وكنت أكتب عن أصحابنا في القراطيس ، وأستخير الله فيه . فكتبت حديث النضر بن عبد الجبار في الرق ، قال : فذكرت له سماع القديم وسماع الحديث ، فقال : كان ابن لهيعة طلابا للعلم ، صحيح الكتاب .

                                                                                      قال : وظننت أن أبا الأسود كتب من كتاب صحيح ، فحديثه صحيح يشبه حديث أهل العلم .

                                                                                      إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين يقول : ابن لهيعة أمثل من رشدين بن سعد ، وقد كتبت حديث ابن لهيعة . قال أهل مصر : ما احترق له كتاب قط ، وما زال ابن وهب يكتب عنه حتى مات .

                                                                                      وكان النضر بن عبد الجبار راوية عنه ، وكان شيخ صدق ، وكان ابن أبي مريم سيئ الرأي في ابن لهيعة ، فلما كتبوها عنه ، وسألوه عنها ، سكت عن ابن لهيعة . قلت ليحيى : فسماع القدماء والآخرين منه سواء ؟ قال : نعم ، سواء واحد .

                                                                                      قال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في " التاريخ " : قدم ابن لهيعة الشام غازيا مع صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين ومائة ، واجتاز بساحل دمشق أو بها ، حكاه القطربلي عن الواقدي . [ ص: 20 ] وقال ابن بكير : ولد سنة ست وتسعين . وتفرد نوح بن حبيب بأن كنيته : أبو النضر .

                                                                                      وقال ابن سعد ابن لهيعة حضرمي من أنفسهم ، كان ضعيفا ، وعنده حديث كثير ، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا . وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط ، لكنه كان يقرأ عليه ما ليس من حديثه ، فيسكت عليه . فقيل له في ذلك ، فقال : وما ذنبي ؟ إنما يجيئون بكتاب يقرءونه ويقومون ، ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي . . . إلى أن قال : ومات بمصر في نصف ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة . قال مسلم بن الحجاج : ابن لهيعة تركه وكيع ويحيى وابن مهدي .

                                                                                      وقال ابن يونس : مولده سنة سبع وتسعين . ورأيته في ديوان حضرموت بمصر ، فيمن دعي به سنة ست وعشرين ومائة في أربعين من العطاء .

                                                                                      قال ابن وهب : حديث : لو أن القرآن في إهاب ، ما مسته النار ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط . [ ص: 21 ] وقال أبو حفص الفلاس : من كتب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه ، فهو أصح ، كابن المبارك ، والمقرئ . وهو ضعيف الحديث . وقال إسحاق بن عيسى : ما احترقت أصوله ، إنما احترق بعض ما كان يقرأ منه . يريد ما نسخ منها .

                                                                                      ابن عدي حدثنا موسى بن العباس ، حدثنا أبو حاتم ، سمعت سعيد بن أبي مريم يقول : رأيت ابن لهيعة يعرض ناس عليه أحاديث من أحاديث العراقيين : منصور ، وأبي إسحاق ، والأعمش ، وغيرهم ، فأجازه لهم . فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، ليست هذه من حديثك . قال : هي أحاديث مرت على مسامعي . ورواها ابن أبي حاتم عن أبيه . وروى الفضل بن زياد ، عن أحمد بن حنبل ، قال : من كتب عن ابن لهيعة قديما فسماعه صحيح .

                                                                                      قلت : لأنه لم يكن بعد تساهل ، وكان أمره مضبوطا ، فأفسد نفسه . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال عبد الرحمن بن خراش : لا يكتب حديثه .

                                                                                      وقال أبو زرعة : لا يحتج به ، قيل : فسماع القدماء ؟ قال : أوله وآخره سواء ، إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتتبعان أصوله يكتبان منها . عباس ، عن يحيى بن معين قال : ابن لهيعة لا يحتج به . [ ص: 22 ] قال ابن عدي أحاديثه أحاديث حسان مع ما قد ضعفوه ، فيكتب حديثه ، وقد حدث عنه مالك ، وشعبة ، والليث .

                                                                                      قال أحمد بن سعيد الدارمي : سمعت قتيبة يقول : حضرت موت ابن لهيعة ، فسمعت الليث يقول : ما خلف بعده مثله .

                                                                                      محمد بن قدامة ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن شعبة ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن القاسم ، وسالم ، في الأمة تصلي يدركها العتق ؟ قالا : تقنع ، وتمضي في صلاتها . وفي " الموطأ " : بلغني عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان . قالوا : هذا ما رواه عن عمرو سوى ابن لهيعة .

                                                                                      عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثنا أبي ، حدثني الليث ، حدثني ابن لهيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أصبح صائما فنسي فأكل وشرب ، فالله أطعمه وسقاه .

                                                                                      [ ص: 23 ] قال أبو حاتم بن حبان البستي : كان من أصحابنا يقولون : سماع من سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه مثل العبادلة : ابن المبارك ، وابن وهب ، والمقرئ ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، فسماعهم صحيح . ومن سمع بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء . وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث ، والجماعين للعلم ، والرحالين فيه . ولقد حدثني شكر ، حدثنا يوسف بن مسلم ، عن بشر بن المنذر ، قال : كان ابن لهيعة يكنى أبا خريطة . كانت له خريطة معلقة في عنقه ، فكان يدور بمصر ، فكلما قدم قوم كان يدور عليهم ، فكان إذا رأى شيخا سأله : من لقيت ؟ وعمن كتبت ؟ فإن وجد عنده شيئا كتب عنه ، فلذلك كان يكنى أبا خريطة .

                                                                                      قال ابن حبان : قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه ، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا ، وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرا ، فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفى ، على أقوام رآهم هو ثقات ، فألزق تلك الموضوعات به . [ ص: 24 ]

                                                                                      وقال يحيى القطان : قال لي بشر بن السري : لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفا .

                                                                                      وقال نعيم بن حماد : سمعت يحيى بن حسان يقول : جاء قوم ومعهم جزء ، فقالوا : سمعناه من ابن لهيعة ، فنظرت فيه ، فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة ، فقمت إليه ، فقلت : أي شيء هذا ؟! قال : فما أصنع بهم ، يجيئون بكتاب ، فيقولون : هذا من حديثك ، فأحدثهم به .

                                                                                      ابن حبان : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه : ادعوا لي أخي ، فدعي له أبو بكر ، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له عمر ، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له عثمان ، فأعرض عنه ، ثم دعي له علي ، فستره بثوبه ، وأكب عليه . فلما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علمني ألف باب ، كل باب يفتح ألف باب . هذا حديث منكر ، كأنه موضوع .

                                                                                      قال عثمان بن صالح : لا أعلم أحدا أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني . أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة ، فوافينا ابن لهيعة أمامنا راكبا على حمار يريد إلى منزله ، فأفلج ، وسقط عن حماره ، [ ص: 25 ] فبدرني ابن عتيق إليه ، فأجلسه ، وصرنا به إلى منزله .

                                                                                      قال عمرو بن خالد الحراني : سمعت زهيرا يقول لمسكين بن بكير الحذاء : يا أبا عبد الرحمن ما كتب إليك ابن لهيعة ؟ قال : كتب إلى غيري : أن عقيلا أخبره عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصوم آخر اثنين من شعبان .

                                                                                      وقال العقيلي : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا خالد بن خداش قال : قال لي ابن وهب ، ورآني لا أكتب حديث ابن لهيعة : إني لست كغيري في ابن لهيعة فاكتبها .

                                                                                      وقال سعيد بن أبي مريم : لم يسمع ابن لهيعة من يحيى بن سعيد شيئا ، لكن كتب إليه يحيى هذا الحديث - يعني حديث السائب بن يزيد ابن أخت نمر - قال : صحبت سعدا كذا وكذا سنة ، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثا واحدا ، وكنت في عقبه على أثره : لا يفرق بين مجتمع ، ويجمع بين متفرق في الصدقة . فظن ابن لهيعة أنه من حديث سعد ، وإنما كان هذا كلاما مبتدأ من مسائل كتب بها إليه .

                                                                                      عفان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن السائب بن يزيد أنه صحب سعدا من المدينة إلى مكة فلم يسمعه يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رجع . [ ص: 26 ] ونقلوا أن عبد الله بن لهيعة ولاه أبو جعفر القضاء بمصر ، في سنة خمس وخمسين ومائة ، تسعة أشهر ، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارا . فأما قول أبي أحمد بن عدي في الحديث الماضي : " علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب " فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة ، فإنه مفرط في التشيع ، فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة ، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيع ، ولا الرجل متهم بالوضع ، بل لعله أدخل على كامل ، فإنه شيخ محله الصدق ، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه ، ولم يتفطن هو ، فالله أعلم .

                                                                                      ‎قال قتيبة بن سعيد : لما احترقت كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار .

                                                                                      وقال أبو سعيد بن يونس : ذكر أبو عبد الرحمن النسائي يوما ابن لهيعة ، فقال : ما أخرجت من حديثه شيئا قط إلا حديثا واحدا : حديث عمرو بن الحارث ، عن مشرح ، عن عقبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في الحج سجدتان . أخبرناه هلال بن العلاء عن معافى بن سليمان ، عن موسى بن أعين ، عن عمرو بن الحارث . [ ص: 27 ]

                                                                                      أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد ، قالا : أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا سعيد بن أحمد ، أخبرنا علي بن أحمد البندار ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن كثير بن مروان الفهري ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من عطس أو تجشأ ، فقال : الحمد لله على كل حال من الحال ، دفع عنه بها سبعون داء ، أهونها الجذام وهذا خبر منكر لا يحتمله ابن لهيعة ، ولا أتى به سوى الفهري ، وهو شيخ واه جدا .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر القاضي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، وأبو غالب محمد بن علي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكثر منافقي أمتي قراؤها . هذا [ ص: 28 ] حديث محفوظ ، قد تابع فيه الوليد بن المغيرة ابن لهيعة ، عن مشرح .

                                                                                      وقد رواه عبد الله بن المبارك ، عن عبد الرحمن بن شريح المعافري ، عن شراحيل بن يزيد ، عن محمد بن هدية الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                                                      وبالإسناد إلى الفريابي : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، المتمسك منهم يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك ، أو جمر الغضا .

                                                                                      وبه قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أسلم أبي عمران ، قال : سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول : " ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق ، وإنه ليأتي عليه أحايين وما فيه موضع إبرة من إيمان " . [ ص: 29 ]

                                                                                      رواه بنحوه ابن وهب عن حيوة بن شريح عن يزيد .

                                                                                      قرأت على أبي الفضل بن تاج الأمناء ، عن عبد المعز بن محمد البزاز ، أن محمد بن إسماعيل الهروي أخبره ، قال : أخبرنا محلم بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي ، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يقول : من أظلم ممن صور صورتي أو شبه بها فليخلقوا حبة أو ذرة هذا حديث غريب جدا وفيه رجل مجهول أيضا .

                                                                                      وبه قال قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا تجعلوها عليكم قبورا ، كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا ، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض هذا حديث نظيف الإسناد ، حسن المتن ، فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر ، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على [ ص: 30 ] القبور ، ولو اندفن الناس في بيوتهم ، لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا ، والصلاة في المقبرة ، فمنهي عنها نهي كراهية ، أو نهي تحريم ، وقد قال عليه السلام : أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة . فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورا .

                                                                                      وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به ، كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده ، وكما خص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام ، فكان هو إمامهم حيا وميتا في الدنيا والآخرة ، وكما خص بتأخير دفنه يومين ، ويكره تأخير أمته ، لأنه هو أمن عليه التغير بخلافنا ، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه داخل بيته ، فطال لذلك الأمر ، ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته حتى قدم أبو بكر الصديق من السنح ، فهذا كان سبب التأخير .

                                                                                      قال أبو إسحاق الجوزجاني : ابن لهيعة لا نور على حديثه ، ولا ينبغي أن يحتج به ، ولا أن يعتد به .

                                                                                      [ ص: 31 ] البخاري ، حدثني أحمد بن عبد الله ، أخبرنا صدقة بن عبد الرحمن ، حدثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لو تمت البقرة ثلاثمائة آية لتكلمت

                                                                                      وعن أبي الوليد بن أبي الجارود ، عن يحيى بن معين قال : يكتب عن ابن لهيعة ما كان قبل احتراق كتبه .

                                                                                      قلت : عاش ثمانيا وسبعين سنة ، ومر أنه توفي سنة أربع وسبعين ومائة .

                                                                                      وكان من أوعية العلم ، ومن رؤساء أهل مصر ، ومحتشميهم ، أطلق المنصور بن عمار الواعظ أراضي له .

                                                                                      الرمادي في " تاريخه " : حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن حديج بن أبي عمرو ، سمعت المستورد بن شداد يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لكل أمة أجل ، وإن لأمتي مائة سنة ، فإذا مر عليها مائة سنة ، أتاها ما وعدها الله .

                                                                                      ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن عمرو المعافري ، عن ابن حجيرة ، قال : استظل سبعون نفسا من قوم موسى تحت قحف رجل من العمالقة .

                                                                                      هذا من الإسرائيليات ، والقدرة صالحة ، ولو استظل بذلك القحف أربعة لكان عظيما .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية