الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 359 ]

                الحرام ، ضد الواجب . وهو ما ذم فاعله شرعا . ولا حاجة هنا إلى مطلقا ، لعدم الحرام الموسع ، وعلى الكفاية ، بخلاف الواجب .

                التالي السابق


                قوله : " الحرام ضد الواجب " ، لما ذكر الاقتضاء الفعلي ، وهو الأمر بقسميه ، وهما الواجب والمندوب ، أخذ هنا يبين حكم اقتضاء الكف ، وهو النهي بقسميه ، وهما الحرام والمكروه ، ثم قسم التخيير ، وهو المباح إن شاء الله تعالى .

                فالحرام ضد الواجب ، لأن الواجب مأمور به على الجزم ، مثاب على فعله ، معاقب على تركه ، فالحرام إذا منهي عنه على الجزم ، مثاب على تركه ، معاقب على فعله .

                قال الجوهري : الحرام ضد الحلال .

                قلت : هو مأخوذ من الحرمة ، وهي ما لا يحل انتهاكه .

                قوله : " وهو " يعني الحرام " ما ذم فاعله شرعا " كما أن الواجب ما ذم تاركه شرعا .

                قوله : " ولا حاجة هنا إلى مطلقا " ، أي لا يحتاج أن نقول : الحرام ما ذم شرعا فاعله مطلقا ، كما قلنا في الواجب ما ذم شرعا تاركه مطلقا " لعدم الحرام الموسع ، وعلى الكفاية بخلاف الواجب " وذلك لأنا إنما قيدنا في الواجب بقولنا : مطلقا ، ليتناول الواجب الموسع ، والواجب على الكفاية ، كما شرح هناك ، والحرام ليس [ ص: 360 ] فيه موسع ولا مضيق ، ولا على العين والكفاية ، فلا حاجة بنا فيه إلى التقييد بقولنا مطلقا .

                والفرق بين الواجب والحرام في ذلك ، هو أن مقصود الواجب تحصيل المصلحة ، فجاز أن يكون فيه الموسع وفرض الكفاية ، تعليقا لحصول المصلحة بالقدر المشترك من الأوقات والأعيان ، كما سبق تقريره ، بخلاف الحرام ، فإن مقصوده نفي المفسدة . والمفسدة يجب نفيها عقلا وشرعا مطلقا ، في جميع الأزمان ، من جميع الأشخاص والأعيان كما سبق تقريره .

                أما الحرام المخير ، فيجوز وروده ، كالواجب المخير ، لأن المفسدة قد تتعلق بأحد الشيئين والأشياء ، كما تتعلق المصلحة به ، فكما جاز أن يقول له : إذا حنثت في يمينك فأطعم ، أو اكس ، أو أعتق ، كذلك جاز أن يقول له : لا تنكح هذه المرأة ، أو أختها ، أو بنت أختها ، أو أخيها ، فيكون منهيا عنهما على التخيير ، أيتهما شاء اجتنب ونكح الأخرى ، كما أنه إذا أسلم عليهما ، قيل له : طلق إحداهما وأمسك الأخرى أيتهما شئت .




                الخدمات العلمية