الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 530 ] 207

ثم دخلت سنة سبع ومائتين

ذكر خروج عبد الرحمن بن أحمد باليمن

في هذه السنة خرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ببلاد عك في اليمن ، يدعو إلى الرضى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وكان سبب خروجه أن العمال باليمن أساءوا السيرة فيهم ، فبايعوا عبد الرحمن هذا ، فلما بلغ المأمون ذلك وجه إليه دينار بن عبد الله في عسكر كثيف ، وكتب معه بأمانه ، فحضر دينار الموسم ، وحج .

ثم سار إلى اليمن ، فبعث إلى عبد الرحمن بأمانه ، فقبله ، ودخل في طاعة المأمون ، ووضع يده في يد دينار ، فخرج به إلى المأمون ، فمنع المأمون عند ذلك الطالبيين من الدخول عليه ، وأمرهم بلبس السواد ، وذلك لليلتين بقيتا من ذي القعدة .

ذكر وفاة طاهر بن الحسين

وفي هذه السنة ، في جمادى الأولى ، مات طاهر بن الحسين من حمى أصابته ، وإنه وجد في فراشه ميتا .

وقال كلثوم بن ثابت بن أبي سعيد : كنت على بريد خراسان ، فلما كان سنة سبع ومائتين حضرت الجمعة ، فصعد طاهر المنبر فخطب ، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له ، وقال : اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك ، واكفنا مئونة [ ص: 531 ] من بغى علينا ، وحشد فيها ، بلم الشعث ، وحقن الدماء ، وإصلاح ذات البين .

قال : فقلت في نفسي : أنا أول مقتول لأني لا أكتم الخبر . قال : فانصرفت ، فاغتسلت غسل الموتى ، وتكفنت ، وكتبت إلى المأمون ، فلما كان العصر دعاني ، وحدث به حادث في جفن عينه ، وسقط ميتا ، فخرج إلي ابنه طلحة ، قال : هل كتبت بما كان ؟ قلت : نعم ! قال : فاكتب بوفاته ! فكتبت بوفاته ، وبقيام طلحة بأمر الجيش ، فوردت الخريطة على المأمون بخلعه ، فدعا أحمد بن أبي خالد ، فقال : سر فأت بطاهر كما زعمت وضمنت فقال : أبيت الليلة ؟ فقال : لا . فلم يزل حتى أذن له في المبيت .

( ووافت الخريطة الأخرى ليلا بموته ) ، فدعاه ، فقال : قد مات طاهر ، فمن ترى ؟ قال : ابنه طلحة . قال : اكتب بتوليته ! فكتب بذلك ، فأقام طلحة واليا على خراسان في أيام المأمون سبع سنين ، ثم توفي ، وولى عبد الله خراسان .

ولما ورد موت طاهر على المأمون قال : لليدين وللفم ، الحمد لله الذي قدمه وأخرنا ! وكان طاهر أعور وفيه يقول بعضهم :

يا ذا اليمينين وعين واحده نقصان عين ويمين زائده



يعني أن لقبه كان ذا اليمينين ، وكانت كنيته أبا الطيب .

وقد قيل : إن طاهرا لما مات انتهب الجند بعض خزائنه ، فقام بأمرهم سلام الأبرش الخصي ، وأعطاهم رزق ستة أشهر .

وقيل استعمل المأمون على عمله جميعه ابنه عبد الله بن طاهر ، فسير إلى خراسان أخاه طلحة ، وكان عبد الله بالرقة على حرب نصر بن شبث ، فلما توجه طلحة إلى خراسان سير المأمون إليه أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره ، فعبر أحمد إلى ما وراء النهر ، وافتتح أشروسنة ، وأسر كاوس بن صارخره ، وابنه الفضل ، وبعث بهما إلى المأمون ، ووهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم ، وعروضا بألفي ألف درهم ، ووهب لإبراهيم بن العباس كاتب أحمد خمسمائة ألف درهم .

ذكر ما كان من الأندلس في هذه السنة

وفي هذه السنة وقع عبد الرحمن بن الحكم ، صاحب الأندلس ، بجند البصرة [ ص: 532 ] وأهلها ، وهي الوقعة [ المعروفة ] بوقعة بالس ( ! ) .

وكان سببها أن الحكم كان قد بلغه عن عامل اسمه ربيع أنه ظلم الأبناء أهل الذمة ، فقبض عليه وصلبه ، قبل وفاته ، فلما توفي وولي ابنه عبد الرحمن سمع الناس بصلب الربيع ، فأقبلوا إلى قرطبة من النواحي يطلبون الأموال التي كان ظلمهم بها ، ظنا منهم أنها ترد إليهم ، وكان أهل إلبيرة أكثرهم طلبا وإلحاحا فيه ، وتألبوا ، فبعث إليهم عبد الرحمن من يفرقهم ويسكتهم ، فلم يقبلوا ، ودفعوا من أتاهم ، فخرج إليهم جمع من الجند وأصحاب عبد الرحمن ، فقاتلوهم ، فانهزم جند إلبيرة ومن معهم ، وقتلوا قتلا ذريعا ، ونجا الباقون منهزمين ، ثم طلبوا بعد ذلك ، فقتلوا كثيرا منهم .

وفيها ثارت بمدينة تدمير فتنة بين المضرية واليمانية ، فاقتتلوا بلورقة ، وكان بينهم وقعة تعرف بيوم المضارة ، قتل منهم ثلاثة آلاف رجل ، ودامت الحرب بينهم سبع سنين ، فوكل بكفهم ومنعهم يحيى بن عبد الله بن خالد ، وسيره في جميع الجيش ، فكانوا إذا أحسوا بقرب يحيى تفرقوا وتركوا القتال ، وإذا عاد عنهم رجعوا إلى الفتنة والقتال حتى عيي أمرهم .

وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة ذهب فيها خلق كثير ، وبلغ المد في بعض البلاد ثلاثين دينارا .

( تدمير بالتاء فوقها نقطتان والدال المهملة والياء تحتها نقطتان ثم راء ) .

ذكر عدة حوادث

وفيها غلا السعر بالعراق ، حتى بلغ القفيز من الحنطة بالهاروني أربعين درهما إلى الخمسين .

[ ص: 533 ] وفيها ولي محمد بن حفص طبرستان ، والرويان ، ودنباوند .

وحج بالناس أبو عيسى بن الرشيد .

وفيها أمر المأمون السيد بن أنس ، والي الموصل ، بقصد بني شيبان وغيرهم من العرب ، لإفسادهم في البلاد ، فسار إليهم ، وكبسهم بالدسكرة ، فقتلهم ونهب أموالهم وعاد .

[ الوفيات ]

وفيها توفي وهب بن جرير الفقيه ، وعمر بن حبيب العلوي القاضي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ، وعبد العزيز بن أبان القرشي ، قاضي واسط ، وجعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي الفقيه ، وبشر بن عمر الزهراني الفقيه ، [ ص: 534 ] وكثير بن هشام ، وأزهر بن سعيد السمان ، وأبو النضر هشام بن القاسم الكناني .

وفيها توفي محمد بن عمر بن واقد الواقدي ، وكان عمره ثمانيا وسبعين سنة ، وكان عالما بالمغازي واختلاف العلماء ، وكان يضعف في الحديث .

وفيها توفي محمد بن أبي رجاء القاضي ، وهو من أصحاب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة .

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى المعروف بابن كناسة ، وهو ابن أخت إبراهيم بن أدهم ، وكان عالما بالعربية والشعر وأيام الناس .

وفيها توفي يحيى بن زياد ، وأبو زكريا الفراء النحوي الكوفي ، وأبو غانم الموصلي ، وزيد بن علي بن أبي خداش الموصلي ، وهو من أصحاب المعافى ، كثير الرواية عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية