الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      أبواب تفريع استفتاح الصلاة باب رفع اليدين في الصلاة

                                                                      721 حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع وقال سفيان مرة وإذا رفع رأسه وأكثر ما كان يقول وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين [ ص: 308 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 308 ] باب رفع اليدين في الصلاة

                                                                      قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : قد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا ، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك . قال البخاري : ولم يستثن الحسن أحدا . وقال ابن عبد البر : كل من روي عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه ، روي عنه فعله إلا ابن مسعود . وقال محمد بن نصر المروزي : أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة . وقال ابن عبد البر : لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم ، والذي نأخذ به الرفع حديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك ولم يحك الترمذي عن مالك غيره . ونقل الخطابي ، وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما ، ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول ابن القاسم . وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك ، وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بأخرة ، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه ، والعدد الكثير أولى من واحد لا سيما وهم مثبتون وهو ناف ، مع أن الجمع بين الروايتين ممكن ، وهو أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة وتركه أخرى ، ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري في جزء رفع اليدين عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى . واحتجوا أيضا بحديث ابن مسعود أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود أخرجه أبو داود ، ورده الشافعي بأنه لم يثبت قال ولو ثبت لكان المثبت مقدما على النافي وقد صححه بعض أهل الحديث لكنه استدل به على عدم الوجوب ، والطحاوي إنما نصب الخلاف مع من يقول بوجوبه كالأوزاعي وبعض أهل الظاهر . وذكر البخاري أنه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة . وذكر الحاكم وأبو القاسم ابن منده ممن رواه العشرة المبشرة . وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا . انتهى .

                                                                      ( إذا استفتح الصلاة رفع يديه ) في هذا دليل لمن قال بالمقارنة بين التكبير [ ص: 309 ] والرفع ، وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم . ففي حديث الباب رفع يديه ثم كبر ، وفي حديث مالك بن الحويرث عند مسلم كبر ثم رفع يديه . قال الحافظ : وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء والمرجح عند أصحابنا المقارنة ، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ : رفع يديه مع التكبير وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي وهو المرجح عند المالكية . وقال صاحب الهداية من الحنفية : الأصح يرفع ثم يكبر لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله ، والتكبير إثبات ذلك له والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة ، وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكر ، وقد قال فريق من العلماء الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى ، وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر انتهى . وقال النووي في شرح مسلم : أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام انتهى ( حتى يحاذي منكبيه ) أي يقابلهما ، والمنكب مجمع العضد والكتف وبهذا أخذ الشافعي والجمهور ، وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث أخرجه مسلم وفي لفظ له عنه : حتى يحاذي بهما فروع أذنيه وروى أبو ثور عن الشافعي أنه جمع بينهما فقال يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين ، ويؤيده رواية أخرى عند المؤلف بلفظ حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه .

                                                                      فائدة : لم يرد ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة ، وعن الحنفية : يرفع الرجل إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها والله أعلم . قاله الحافظ ( وإذا أراد أن يركع ) أي رفع يديه ( وبعدما يرفع رأسه ) أي رفع يديه أيضا . قال الحافظ ابن حجر : معناه بعدما يشرع في الرفع لتتفق الروايات وفي رواية البخاري : كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا ( ولا يرفع بين السجدتين ) وفي رواية للبخاري : ولا يفعل ذلك في السجود .

                                                                      قال الحافظ : أي لا في الهوي إليه ولا في الرفع منه كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال حين يسجد ولا حين يرفع رأسه ، وهذا يشمل ما إذا نهض من السجود [ ص: 310 ] إلى الثانية والرابعة والتشهدين ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضا لكن بدون تشهد لكونه غير واجب . وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة ، لكن قد روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا هذا الحديث وفيه : " ولا يرفع بعد ذلك " أخرجه الدارقطني في الغرائب بإسناد حسن ، وظاهره يشمل النفي عما عدا المواطن الثلاثة وسيأتي إثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية