الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      شعيب بن أبي حمزة ( ع )

                                                                                      الإمام ، الثقة ، المتقن ، الحافظ أبو بشر الأموي ، مولاهم الحمصي ، الكاتب ، واسم أبيه دينار .

                                                                                      سمع الزهري فأكثر ، ونافعا وعكرمة بن خالد ، ومحمد بن المنكدر ، [ ص: 188 ] وزيد بن أسلم وأبا الزناد ، وأبا طوالة عبد الله بن عبد الرحمن ، وعبد الوهاب بن بخت ، وعدة .

                                                                                      وعنه : ابنه بشر ، وبقية ، والوليد بن مسلم ، ومحمد بن حمير ، وأبو حيوة شريح بن يزيد ، وأبو اليمان ، وعلي بن عياش ، وآخرون .

                                                                                      وكان بديع الكتابة ، وافر المهابة ، سمعه محمد بن حمير يقول : رافقت الزهري إلى مكة ، فكنت أدرس أنا وهو القرآن جميعا .

                                                                                      قال أبو داود : أبوه دينار مولى زياد .

                                                                                      وقال عثمان بن سعيد : قلت ليحيى بن معين : فشعيب في الزهري ؟

                                                                                      قال : هو مثل يونس وعقيل . كتب عن الزهري إملاء للسلطان ، كان كاتبا .

                                                                                      قلت : يعني بالسلطان هشام بن عبد الملك .

                                                                                      قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي : كيف سماع شعيب من الزهري ؟

                                                                                      قال : حديثه يشبه حديث الإملاء . ثم قال أبي : الشأن فيمن سمع من شعيب ، كان رجلا ضيقا في الحديث . قلت : كيف سماع أبي اليمان منه ؟ قال : كان يقول : أنبأنا شعيب . قلت : فسماع ابنه بشر ؟ قال : كان يقول : حدثني أبي .

                                                                                      قلت : فسماع بقية ؟ قال : شيء يسير . ثم قال : ولما حضرته الوفاة ، جمع جماعة بقية وابنه ، فقال : هذه كتبي ، ارووها عني .

                                                                                      قال أبو زرعة الدمشقي : حدثني أحمد بن حنبل قال : رأيت كتب شعيب ، فرأيت كتبا مضبوطة مقيدة . ورفع أحمد من ذكره . قلت : فأين هو من يونس ؟ قال : فوقه . قلت : فأين هو من عقيل ؟ قال : فوقه . قلت : فأين هو من الزبيدي ؟ قال : مثله .

                                                                                      قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : كان شعيب بن أبي حمزة قليل السقط . [ ص: 189 ]

                                                                                      وقال الأثرم : قال أحمد : نظرت في كتب شعيب ، كان ابنه يخرجها إلي ، فإذا بها من الحسن والصحة ما لا يقدر - فيما أرى - بعض الشباب أن يكتب مثلها صحة وشكلا ، ونحو ذا .

                                                                                      قال المفضل الغلابي : كان عند شعيب عن الزهري نحو ألف وسبعمائة حديث .

                                                                                      وقال عباس ، عن يحيى بن معين : أثبتهم في الزهري ، مالك ، ومعمر وعقيل ، ويونس ، وشعيب بن أبي حمزة ، وابن عيينة .

                                                                                      قال علي بن عياش : كان شعيب بن أبي حمزة عندنا من كبار الناس ، وكنت أنا وعثمان بن سعيد بن كثير من ألزم الناس له ، وكان ضنينا بالحديث ، كان يعدنا المجلس ، فنقيم نقتضيه إياه ، فإذا فعل ، فإنما كتابه بيده ما يأخذه أحد ، وكان من صنف آخر في العبادة ، وكان من كتاب هشام على نفقاته ، وكان الزهري معهم بالرصافة ، وسمعه يقول لبقية : يا أبا محمد ! قد مجلت يدي من العمل .

                                                                                      قال أبو زرعة : قلت لعلي : ما كان يعمل ؟ قال : كانت له أرض يعالجها بيده ، فلما حضرته الوفاة ، قال : اعرضوا علي كتبي ، فعرض عليه كتاب نافع وأبي الزناد .

                                                                                      روى أبو زرعة الدمشقي ، عن دحيم ، قال : شعيب ثقة ، ثبت ، يشبه حديثه حديث عقيل . ثم قال : والزبيدي فوقه .

                                                                                      قال أبو زرعة : قال لنا علي بن عياش : قيل لشعيب : يا أبا بشر ! ما لبشر لا يحضر معنا ؟ قال : شغله الطب . [ ص: 190 ]

                                                                                      قال يعقوب الفسوي في " تاريخه " : حدثني سليمان بن الكوفي ، قال : قلت لأبي اليمان : ما لي أسمعك إذا ذكرت صفوان بن عمرو تقول : حدثنا صفوان ، وإذا ذكرت أبا بكر بن أبي مريم تقول : حدثنا أبو بكر ، وإذا ذكرت شعيب بن أبي حمزة ، قلت : أخبرنا شعيب ؟ فغضب ، فلما سكن ، قال لي : مرض شعيب مرضه الذي مات فيه ، فأتاه إسماعيل بن عياش ، وبقية بن الوليد ، ومحمد بن حمير في رجال من أهل حمص ، أنا أصغرهم ، فقالوا : كنا نحب أن نكتب عنك ، وكنت تمنعنا . فدعا بقفة له ، فقال : ما في هذه إلا ما سمعته من الزهري ، وكتبته ، وصححته ، فلم يخرج من يدي ، فإن أحببتم ، فاكتبوها . قالوا : فنقول ماذا ؟ قال : تقولون : أنبأنا شعيب ، وأخبرنا شعيب ، وإن أحببتم أن تكتبوها عن ابني ، فقد قرأتها عليه .

                                                                                      قال أبو زرعة الدمشقي : حدثنا أبو اليمان ، قال : دخلنا على شعيب حين احتضر ، فقال : هذه كتبي ، فمن أراد أن يأخذها ، فليأخذها ، ومن أراد أن يعرض فليعرض ، ومن أراد أن يسمع ، فليسمعها من ابني ، فإنه سمعها مني .

                                                                                      قلت : فهذا يدلك على أن عامة ما يرويه أبو اليمان عنه بالإجازة ، ويعبر عن ذلك " بأخبرنا " ، وروايات أبي اليمان عنه ثابتة في " الصحيحين " ، وذلك بصيغة : أخبرنا . ومن روى شيئا من العلم بالإجازة عن مثل شعيب بن أبي حمزة في إتقان كتبه وضبطه ، فذلك حجة عند المحققين ، مع اشتراط أن يكون الراوي بالإجازة ثقة ثبتا أيضا ، فمتى فقد ضبط الكتاب المجاز ، وإتقانه ، وتحريره ، أو إتقان المجيز أو المجاز له ، انحط المروي عن رتبة الاحتجاج به ، ومتى فقدت الصفات كلها لم تصح الرواية عند الجمهور . وشعيب - رحمه الله - فقد كانت كتبه نهاية في الحسن والإتقان [ ص: 191 ] والإعراب ، وعرف هو ما يجيز ولمن أجاز ، بل رواية كتبه بالوجادة كاف في الحجة ، وفي رواية أبي اليمان عنه بذلك دليل على إطلاق " أخبرنا " في الإجازة كما يتعاناه فضلاء المحدثين بالمغرب ، وهو ضرب من التدليس ، فإنه يوهم أنه بالسماع . والله أعلم .

                                                                                      قال يزيد بن عبد ربه : مات شعيب سنة اثنتين وستين ومائة وقال يحيى الوحاظي وغيره : مات سنة ثلاث وستين .

                                                                                      قلت : مات قبل حريز بن عثمان بسنة . وعند ابن طبرزد نسخة لبشر بن شعيب عن أبيه .

                                                                                      أخبرنا جماعة كتابة ، قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم ، حدثنا علي بن عياش ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن ابن المنكدر ، عن جابر ، قال : كان الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار [ ص: 192 ] أخبرنا ابن الفراء ، ومحمد بن علي قالا : أنبأنا ابن أبي لقمة ، أنبأنا الخضر بن عيدان ، أنبأنا علي بن محمد ، أنبأنا أبو نصر بن هارون ، حدثنا خيثمة ، حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا عثمان بن سعيد ، أنبأنا شعيب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الخيل معقود في نواصيها الخير " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية