الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التعوذ من المأثم والمغرم

                                                                                                                                                                                                        6007 حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله باب التعوذ من المأثم والمغرم ) بفتح الميم فيهما وكذا الراء والمثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة والمأثم ما يقتضي الإثم والمغرم ما يقتضي الغرم وقد تقدم بيانه في " باب الدعاء قبل السلام " من كتاب الصلاة

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 181 ] قوله من الكسل والهرم تقدما في الباب الذي قبله

                                                                                                                                                                                                        قوله والمأثم والمغرم والمراد الإثم والغرامة وهي ما يلزم الشخص أداؤه كالدين زاد في رواية الزهري عن عروة كما مضى في " باب الدعاء قبل السلام " فقال له قائل " ما أكثر ما تستعيذ من المأثم والمغرم " هكذا أخرجه من طريق شعيب عن الزهري وكذا أخرجه النسائي من طريق سليمان بن سليم الحمصي عن الزهري فذكر الحديث مختصرا وفيه " فقال له يا رسول الله إنك تكثر التعوذ " الحديث وقد تقدم بيانه هناك وقلت : إني لم أقف حينئذ على تسمية القائل ثم وجدت تفسير المبهم في الاستعاذة للنسائي أخرجه من طريق سلمة بن سعيد بن عطية عن معمر عن الزهري فذكر الحديث مختصرا ولفظه " كان يتعوذ من المغرم والمأثم " قلت يا رسول الله ، ما أكثر ما تتعوذ من المغرم ، قال إنه من غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فعرف أن السائل له عن ذلك عائشة راوية الحديث

                                                                                                                                                                                                        قوله ومن فتنة القبر ) هي سؤال الملكين وعذاب القبر تقدم شرحه

                                                                                                                                                                                                        قوله ومن فتنة النار ) هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله - تعالى - : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وسيأتي الكلام عليه في " باب الاستعاذة من أرذل العمر " بعد ثلاثة أبواب

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر ) تقدم الكلام على ذلك أيضا في " باب الدعاء قبل السلام قال الكرماني صرح في فتنة الغنى بذكر الشر إشارة إلى أن مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على أصحابه حتى لا يغتروا فيغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورته لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فإنها قد تكون خيرا انتهى وكل هذا غفلة عن الواقع فإن الذي ظهر لي أن لفظ " شر " في الأصل ثابتة في الموضعين وإنما اختصرها بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في " باب الاستعاذة من أرذل العمر " من طريق وكيع وأبي معاوية مفرقا عن هشام بسنده هذا بلفظ " شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر " ويأتي بعد أبواب أيضا من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام بإسقاط " شر " في الموضعين والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لأن كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر قال الغزالي : فتنة الغنى الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنى ولا عكسه

                                                                                                                                                                                                        قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ) في رواية وكيع " ومن شر فتنة المسيح الدجال " وقد تقدم أيضا في " باب الدعاء قبل السلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد إلخ ) تقدم شرحه في الكلام على حديث أبي هريرة في أوائل صفة الصلاة ، وحكمة العدول عن الماء الحار إلى الثلج والبرد مع أن الحار في العادة أبلغ في إزالة الوسخ الإشارة إلى أن الثلج والبرد ماءان طاهران لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ذكرهما آكد في هذا [ ص: 182 ] المقام أشار إلى هذا الخطابي . وقال الكرماني : وله توجيه آخر وهو أنه جعل الخطايا بمنزلة النار لكونها تؤدي إليها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في إطفائها وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل أنه قد يجمد ويصير جليدا بخلاف الثلج فإنه يذوب وهذا الحديث قد رواه الزهري عن عروة كما أشرت إليه وقيده بالصلاة ولفظه " كان يدعو في الصلاة " وذكرت هناك توجيه إدخاله في الدعاء قبل السلام ولم يقع في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف ذكر المأثم والمغرم ووقع ذلك عند مسلم من وجه آخر عن الزهري ولم يقع عندهما معا فيه قوله اللهم اغسل عني خطاياي إلخ " وهو حديث واحد ذكر فيه كل من هشام بن عروة والزهري عن عروة ما لم يذكره الآخر والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية