الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما العمرة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان صفتها أنها واجبة أم لا ؟ وفي بيان شرائط وجوبها إن كانت واجبة ، وفي بيان ركنها وفي بيان شرائط الركن وفي بيان واجباتها وفي بيان سننها وفي بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها إذا فسدت .

                                                                                                                                ( أما ) الأول فقد اختلف فيها قال أصحابنا : إنها واجبة كصدقة الفطر والأضحية والوتر ، ومنهم من أطلق اسم السنة ، وهذا الإطلاق لا ينافي الواجب وقال الشافعي : إنها فريضة .

                                                                                                                                وقال بعضهم : هي تطوع واحتج هؤلاء بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الحج مكتوب والعمرة تطوع } وهذا نص وعن جابر رضي الله عنه { أن رجلا قال : يا رسول الله العمرة أهي واجبة ؟ قال : لا وأن تعتمر خير لك } واحتج الشافعي بقوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } والأمر للفرضية وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { العمرة هي الحجة الصغرى } ، وقد ثبت فرضية الحج بنص الكتاب العزيز ولنا على الشافعي قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يذكر العمرة ; لأن مطلق اسم الحج لا يقع على العمرة فمن قال : إنها فريضة فقد زاد على النص ، فلا يجوز إلا بدليل .

                                                                                                                                وكذا حديث الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإيمان والشرائع فبين له الإيمان وبين له الشرائع ، ولم يذكر فيها العمرة " فقال الأعرابي : هل علي شيء غير هذا ؟ فقال النبي { صلى الله عليه وسلم : لا إلا أن تطوع } فظاهره يقتضي انتقاء فريضة العمرة .

                                                                                                                                وأما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على فرضية العمرة ; لأنها قرئت برفع العمرة " والعمرة لله " وأنه كلام تام بنفسه غير معطوف على الأمر بالحج أخبر الله تعالى أن العمرة لله ردا لزعم الكفرة ; لأنهم كانوا يجعلون العمرة للأصنام على ما كانت عبادتهم من الإشراك .

                                                                                                                                وأما على قراءة العامة فلا حجة له فيها أيضا ; لأن فيها أمر بإتمام العمرة ، وإتمام الشيء يكون بعد الشروع ، فيه وبه نقول أنها بالشروع تصير فريضة مع ما أنه روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا في تأويل الآية : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك على أن هذا إن كان أمرا بإنشاء العمرة فما الدليل على أن مطلق الأمر يفيد الفرضية بل الفرضية عندنا ثبتت بدليل زائد وراء نفس الأمر ، وإنما يحمل على الوجوب احتياطا وبه نقول : إن العمرة واجبة ، ولكنها ليست بفريضة وتسميتها حجة صغرى في الحديث يحتمل أن يكون في حكم الثواب ; لأنها ليست بحجة حقيقة [ ص: 227 ] ألا ترى أنها عطفت على الحجة في الآية ، والشيء لا يعطف على نفسه في الأصل ، ويقال : حج فلان وما اعتمر على أن وصفها بالصغر دليل انحطاط رتبتها عن الحج ، فإذا كان الحج فرضا فيجب أن تكون هي واجبة ; ليظهر الانحطاط إذ الواجب دون الفرض ، وإطلاق اسم التطوع عليها في الحديث يصلح حجة على الشافعي لا علينا ; لأنه يقول بفرضية العمرة ، والتطوع لا يحتمل أن يكون فرضا ، ونحن نقول بوجوب العمرة ، والواجب ما يحتمل أن يكون فرضا .

                                                                                                                                ويحتمل أن يكون تطوعا ، فكان إطلاق اسم التطوع صحيحا على أحد الاحتمالين وليس للفرض هذا الاحتمال فلا يصح الإطلاق ، وقول السائل في الحديث السابق ( أهي واجبة ؟ ) محمول على الفرض إذ هو الواجب على الإطلاق عملا واعتقادا عينا ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نفي له ، وبه نقول .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية