الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله ضيف إبراهيم المكرمين قال أبو عبد الله يقال هو زور وهؤلاء زور وضيف ومعناه أضيافه وزواره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل يقال ماء غور وبئر غور وماءان غور ومياه غور ويقال الغور الغائر لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور والأزور الأميل

                                                                                                                                                                                                        5784 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجهحدثنا إسماعيل قال حدثني مالك مثله وزاد من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله - تعالى - : ضيف إبراهيم المكرمين ) يشير إلى أن لفظ ضيف يكون واحدا وجمعا وجمع القلة أضياف والكثرة ضيوف وضيفان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو عبد الله يقال هو زور وضيف ومعناه أضيافه وزواره ; لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل ، ويقال ماء غور وبئر غور وماآن غور ومياه غور ) قلت : ثبت هذا في رواية أبي ذر عن المستملي [ ص: 549 ] والكشميهني فقط ، وهو مأخوذ من كلام الفراء قال في " معاني القرآن " قوله - تعالى - : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا العرب تقول ماء غور وماآن غور ومياه غور ولا يجمعون غورا ولا يثنونه فلم يقولوا ماآن غوران ولا مياه أغوار ، وهو بمنزلة الزور يقال هؤلاء زور فلان وضيف فلان معناه أضيافه وزواره ، وذلك لأنه مصدر فأجري على مثل قولهم قوم عدل وقوم رضا ومقنع وقال غيره : الزور جمع زائر كراكب وركب . قلت : وهذا قول أبي عبيدة وجزم به في الصحاح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويقال الغور الغائر لا تناله الدلاء ، كل شيء غرت فيه فهو مغارة ) هو كلام أبي عبيدة أيضا ، وقال أبو عبيدة : غور أي غائر والغور مصدر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تزاور تميل من الزور والأزور الأميل ) . قلت : هو كلام أبي عبيدة قاله في تفسير سورة الكهف في قوله - تعالى - : وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين أي تميل ، وهو من الزور يعني بفتح الواو وهو العوج والميل . ثم ذكر ثلاثة أحاديث :

                                                                                                                                                                                                        حديث أبي شريح من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقوله في الطريق الثانية " حدثنا إسماعيل أنبأنا مالك مثله " يعني بإسناده ، وقوله : أو ليصمت ضبطه النووي بضم الميم وقال الطوفي سمعناه بكسرها وهو القياس كضرب يضرب ، وقد استشكل التخيير الذي في قوله : فليقل خيرا أو ليصمت لأن المباح إذا كان في أحد الشقين لزم أن يكون مأمورا به فيكون واجبا أو منهيا فيكون حراما ، والجواب عن ذلك أن صيغة أفعل في قوله : فليقل وفي قوله : ليسكت لمطلق الإذن الذي هو أعم من المباح وغيره ; نعم يلزم من ذلك أن يكون المباح حسنا لدخوله في الخير ، ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليفكر قبل كلامه ، فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم ، وإن كان مباحا فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه . وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .



                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا يحل له أن يثوي عنده ) قال ابن التين : هو بكسر الواو وبفتحها في الماضي وبكسرها في المضارع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى يحرجه ) بحاء مهملة ثم جيم من الحرج وهو الضيق . والثواء بالتخفيف والمد الإقامة بمكان معين ، قال النووي في رواية لمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم ; لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو يعرض له بما يؤذيه أو يظن به ظنا سيئا ، وهذا كله محمول على ما إذا لم تكن الإقامة باختيار صاحب المنزل بأن يطلب منه الزيادة في الإقامة أو يغلب على ظنه أنه لا يكره ذلك ، وهو مستفاد من قوله : حتى يحرجه لأن مفهومه إذا ارتفع الحرج أن ذلك يجوز . ووقع عند أحمد في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح " قيل يا رسول وما يؤثمه ؟ قال : يقيم عنده لا يجد شيئا يقدمه " أخرجه أحمد والحاكم وفيه قصة لسلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك ثم قال : الحمد لله . قال ابن بطال إنما كره له المقام بعد الثلاث لئلا يؤذيه فتصير الصدقة منه على وجه المن والأذى . قلت : وفيه نظر ، فإن في الحديث فما زاد فهو صدقة فمفهومه أن الذي في الثلاث لا يسمى صدقة ، فالأولى أن يقول لئلا يؤذيه فيوقعه في الإثم بعد أن كان مأجورا .

                                                                                                                                                                                                        قوله في حديث أبي شريح ( جائزته يوم وليلة ) قال السهيلي : روي جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح ، وبالنصب على بدل الاشتمال أي يكرم جائزته يوما وليلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ) قال ابن بطال سئل عنه مالك فقال : يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة . قلت : واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو يعد منها ؟ فقال أبو عبيد يتكلف له في اليوم الأول بالبر والإلطاف ، وفي الثاني والثالث : يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته ، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة ، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل ، ومنه الحديث الآخر أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وقال الخطابي : معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة ، ولا اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره ، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه فما زاد عليه مما يقدمه له يكون صدقة . وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد ومسلم بلفظ [ ص: 550 ] الضيافة ثلاثة أيام ، وجائزته يوم وليلة وهذا يدل على المغايرة ، ويؤيده ما قال أبو عبيد . وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى ، كأنه قيل كيف يكرمه ؟ قال : جائزته . ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة ، فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول ، ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة ، فينبغي أن يحمل على هذا عملا بالروايتين انتهى . ويحتمل أن يكون المراد بقوله : " وجائزته " بيانا لحالة أخرى وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها ، وتارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يوما وليلة ، ولعل هذا أعدل الأوجه والله أعلم . واستدل بجعل ما زاد على الثلاث صدقة على أن الذي قبلها واجب ، فإن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه لأن كثيرا من الناس خصوصا الأغنياء يأنفون غالبا من أكل الصدقة ، وقد تقدمت أجوبة من لم يوجب الضيافة في شرح حديث عقبة ، واستدل ابن بطال لعدم الوجوب بقوله : جائزته قال : والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة . وتعقب بأنه ليس المراد بالجائزة في حديث أبي شريح العطية بالمعنى المصطلح وهي ما يعطاه الشاعر والوافد ، فقد ذكر في الأوائل أن أول من سماها جائزة بعض الأمراء من التابعين وأن المراد بالجائزة في الحديث أنه يعطيه ما يغنيه عن غيره كما تقدم تقريره قبل . قلت : وهو صحيح في المراد من الحديث ، وأما تسمية العطية للشاعر ونحوه جائزة فليس بحادث : للحديث الصحيح أجيزوا الوفد كما تقدمت الإشارة إليه ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للعباس ألا أعطيك ، ألا أمنحك ، ألا أجيزك ؟ فذكر حديث صلاة التسبيح فدل على أن استعمالها كذلك . ليس بحادث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية