الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التصاوير

                                                                                                                                                                                                        5605 حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله عنهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله سمع ابن عباس سمعت أبا طلحة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 394 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 394 ] قوله : ( باب التصاوير ) جمع تصوير بمعنى الصورة والمراد بيان حكمها من جهة مباشرة صنعتها ، ثم من جهة استعمالها واتخاذها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أي ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي طلحة ) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الليث حدثني يونس إلخ ) وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث ، وفائدة هذا التعليق تصريح الزهري بن شهاب وتصريح شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وكذا من فوقهما بالتحديث في جميع الإسناد ، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب عن يونس وفيه التصريح أيضا ، ووقع في رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة لم يذكر ابن عباس بينهما ، ورجح الدارقطني رواية من أثبته ، وقد أخرجه مالك في الموطأ عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة يعوده فذكر قصة وفيها المتن المذكور وزاد فيه استثناء الرقم في الثوب كما سيأتي البحث فيه ، فلعل عبيد الله سمعه من ابن عباس عن أبي طلحة ثم لقي أبا طلحة لما دخل يعوده فسمعه منه ، ويؤيد ذلك زيادة القصة في رواية أبي النضر لكن قال ابن عبد البر : الحديث لعبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة ، فإن عبيد الله لم يدرك أبا طلحة ولا سهل بن حنيف ، كذا قال ، وكأن مستنده في ذلك أن سهل بن حنيف مات في خلافة علي وعبيد الله لم يدرك عليا بل قال علي بن المديني : إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه ، وزيد مات بعد سهل بن حنيف بمدة ، ولكن روى الحديث المذكور محمد بن إسحاق عن أبي النضر فذكر القصة لعثمان بن حنيف لا لسهل أخرجه الطبراني ، وعثمان تأخر بعد سهل بمدة وكذلك أبو طلحة ، فلا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تدخل الملائكة ) ظاهره العموم ، وقيل : يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في كل حالة ، وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي وآخرون ، لكن قال القرطبي : كذا قال بعض علمائنا ، والظاهر العموم ، والمخصص يعني الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصا . قلت : ويؤيده أنه ليس من الجائز أن يطلعهم الله - تعالى - على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هو فيها مثلا ، ويقابل القول بالتعميم القول بتخصيص الملائكة بملائكة الوحي ، وهو قول من ادعى أن ذلك كان من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سأذكره وهو شاذ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بيتا فيه كلب ) المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك ، والظاهر العموم في كل كلب لأنه نكرة في سياق النفي ، وذهب الخطابي وطائفة إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع ، وجنح القرطبي إلى ترجيح العموم ، وكذا قال النووي ، واستدل [ ص: 395 ] لذلك بقصة الجرو التي تأتي الإشارة إليها في حديث ابن عمر بعد ستة أبواب ، قال فامتنع جبريل من دخول البيت الذي كان فيه مع ظهور العذر فيه ، قال : فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول ا ه . ويحتمل أن يقال : لا يلزم من التسوية بين ما علم به أو لم يعلم فيما لم يؤمر باتخاذه أن يكون الحكم كذلك فيما أذن في اتخاذه قال القرطبي : واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى منع الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه ، فقيل : لكونها نجسة العين ، ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم " فأمر بنضح موضع الكلب " وقيل : لكونها من الشياطين ، وقيل : لأجل النجاسة التي تتعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلقت به ، وعلى هذا يحمل من لا يقول إن الكلب نجس العين نضح موضعه احتياطا لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه ، واختلف في المراد بالملائكة فقيل : هو على العموم وأيده النووي بقصة جبريل الآتي ذكرها فقيل : يستثنى الحفظة ، وأجاب الأول بجواز أن لا يدخلوا مع استمرار الكتابة بأن يكونوا على باب البيت ، وقيل المراد من نزل منهم بالرحمة ، وقيل : من نزل بالوحي خاصة كجبريل ، وهذا نقل عن ابن وضاح والداودي وغيرهما ويلزم منه اختصاص النهي بعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه انقطع نزولهم . وقيل : التخصيص في الصفة أي لا يدخله الملائكة دخولهم بيت من لا كلب فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا تصاوير ) في رواية معمر الماضية في بدء الخلق عن الزهري ولا صورة . بالإفراد ، وكذا في معظم الروايات وفائدة إعادة حرف النفي الاحتراز من توهم القصر في عدم الدخول على اجتماع الصنفين ، فلا يمتنع الدخول مع وجود أحدهما ، فلما أعيد حرف النفي صار التقدير ولا تدخل بيتا فيه صورة ، قال الخطابي : والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه ، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن على ما سيأتي تقريره في " باب ما وطئ من التصاوير " بعد بابين ، وتأتي الإشارة إلى تقوية ما ذهب إليه الخطابي في " باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة " وأغرب ابن حبان فادعى أن هذا الحكم خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : وهو نظير الحديث الآخر لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس قال فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ محال أن يخرج الحاج والمعتمر لقصد بيت الله - عز وجل - على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد الله انتهى وهو تأويل بعيد جدا لم أره لغيره ، ويزيل شبهته أن كونهم وفد الله لا يمنع أن يؤاخذوا بما يرتكبونه من خطيئة فيجوز أن يحرموا بركة الملائكة بعد مخالطتهم لهم إذا ارتكبوا النهي واستصحبوا الجرس ، وكذا القول فيمن يقتني الصورة والكلب . والله أعلم . وقد استشكل كون الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه التصاوير مع قوله - سبحانه وتعالى - عند ذكر سليمان - عليه السلام يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وقد قال مجاهد : كانت صورا من نحاس أخرجه الطبري . وقال قتادة : كانت من خشب ومن زجاج أخرجه عبد الرزاق . والجواب أن ذلك كان جائزا في تلك الشريعة وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبدوا كعبادتهم ، وقد قال أبو العالية : لم يكن ذلك في شريعتهم حراما ثم جاء شرعنا بالنهي عنه ، ويحتمل أن يقال : إن التماثيل كانت على صورة النقوش لغير ذوات الأرواح ، وإذا كان اللفظ محتملا لم يتعين الحمل على المعنى المشكل ، وقد ثبت في الصحيحين حديث عائشة في قصة الكنيسة التي كانت بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة ، أولئك شرار الخلق عند الله فإن ذلك يشعر بأنه لو كان ذلك جائزا في ذلك الشرع ما أطلق عليه - صلى الله عليه وسلم - أن الذي فعله شر الخلق ، فدل على أن فعل صور [ ص: 396 ] الحيوان فعل محدث أحدثه عباد الصور ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية