الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب القزع

                                                                                                                                                                                                        5576 حدثني محمد قال أخبرني مخلد قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني عبيد الله بن حفص أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع قال عبيد الله قلت وما القزع فأشار لنا عبيد الله قال إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعرة وها هنا وها هنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه قيل لعبيدالله فالجارية والغلام قال لا أدري هكذا قال الصبي قال عبيد الله وعاودته فقال أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر وليس في رأسه غيره وكذلك شق رأسه هذا وهذا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب القزع ) بفتح القاف والزاي ثم المهملة جمع قزعة وهي القطعة من السحاب ، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه قزعا تشبيها بالسحاب المتفرق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمد ) هو ابن سلام ، ومخلد بسكون المعجمة هو ابن يزيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرني عبيد الله بن حفص ) هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو العمري المشهور ، نسبه ابن جريج في هذه الرواية إلى جده وقد أخرجه أبو قرة في " السنن " عن ابن جريج وأبو عوانة من طريقه فقال " عن عبيد الله بن عمر بن حفص " وعبيد الله بن عمر وشيخه هنا عمر بن نافع والراوي [ ص: 377 ] عنه هو ابن جريج أقران متقاربون في السن واللقاء والوفاة واشترك الثلاثة في الرواية عن نافع ، فقد نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين ، وفيه دلالة على قلة تدليسه ، وقد وافق مخلد بن يزيد على هذه الرواية أبو قرة موسى بن طارق في " السنن " عن ابن جريج وأخرجه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما من طريقه وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق هشام بن سليمان عن ابن جريج ، وكذلك قال حجاج بن محمد عن ابن جريج ، وأخرجه النسائي والإسماعيلي وأبو عوانة وأبو نعيم في " المستخرج " من طريقه ، لكن سقط ذكر عمر بن نافع من رواية النسائي ومن رواية لأبي عوانة أيضا ، وقد صرح الدارقطني في " العلل " بأن حجاج بن محمد وافق مخلد بن يزيد على ذكر عمر بن نافع وأخرجه النسائي من رواية سفيان الثوري على الاختلاف عليه في إسقاط عمر بن نافع وإثباته وقال إثباته أولى بالصواب وأخرجه الترمذي من رواية حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع لم يذكر عمر بن نافع وهو مقلوب . وإنما هو عند حماد بن زيد عن عبد الرحمن السراج عن نافع أخرجه مسلم ، وقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم من طرق متعددة عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع ، ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه ، وكأنهم سلكوا الجادة لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرواية عن نافع مكثر عنه ، والعمدة على من زاد عمر بن نافع بينهما لأنهم حفاظ ولا سيما فيهم من سمع عن نافع نفسه كابن جريج والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القزع ) في رواية مسلم " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القزع " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبيد الله قلت وما القزع ) ؟ هو موصول بالإسناد المذكور ، وظاهره أن المسئول هو عمر بن نافع لكن بين مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعا ، وذلك أنه أخرجه من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر " أخبرني عمر بن نافع عن أبيه " فذكر الحديث قال " قلت لنافع وما القزع ؟ " فذكر الجواب " وأشار لنا عبيد الله قال : إذا حلق الصبي وترك هاهنا شعرة وهاهنا وهاهنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه " المجيب بقوله : " قال إذا حلق " هو نافع وهو ظاهر سياق مسلم من طريق يحيى القطان المذكورة لفظه " قال يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قيل لعبيد الله ) لم أقف على تسمية القائل ، ويحتمل أن يكون هو ابن جريج أبهم نفسه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فالجارية والغلام ) كأن السائل فهم التخصيص بالصبي الصغير فسأل عن الجارية الأنثى وعن الغلام والمراد به غالبا المراهق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبيد الله وعاودته ) هو موصول بالسند المذكور ، كأن عبيد الله لما أجاب السائل بقوله لا أدري أعاد سؤال شيخه عنه ، وهذا يشعر بأنه حدث عنه به في حال حياته ، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر قال وجعل التفسير من قول عبيد الله بن عمر ثم أخرجه من طريق عثمان الغطفاني وروح بن القاسم كلاهما عن عمر بن نافع قال " وألحقا التفسير في الحديث " يعني أدرجاه ولم يسق مسلم لفظه ، وقد أخرجه أحمد عن عثمان الغطفاني ولفظه " نهى عن القزع ، والقزع أن يحلق " فذكر التفسير مدرجا ، وأخرجه أبو داود عن أحمد . وأما رواية روح بن القاسم فأخرجها مسلم وأبو نعيم في " المستخرج " وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن السراج عن نافع ولم يسق لفظه ، وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من هذا الوجه فحذف التفسير ، وأخرجه مسلم أيضا من طريق معمر عن أيوب عن نافع ولم يسق لفظه ، وهو عند عبد الرزاق في [ ص: 378 ] مصنفه عن معمر ، وأخرجه أبو داود والنسائي وفي سياقه ما يدل على مستند من رفع القزع ولفظه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك فقال : احلقوا كله أو ذروا كله " قال النووي : الأصح أن القزع ما فسره به نافع وهو حلق بعض رأس الصبي مطلقا ، ومنهم من قال : هو حلق مواضع متفرقة منه ، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به . قلت : إلا أن تخصيصه بالصبي ليس قيدا ، قال النووي : أجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرقة إلا للمداواة أو نحوها وهي كراهة تنزيه ولا فرق بين الرجل والمرأة ، وكرهه مالك في الجارية والغلام وقيل في رواية لهم لا بأس به في القصة والقفا للغلام والجارية ، قال : ومذهبنا كراهته مطلقا . قلت : حجته ظاهرة لأنه تفسير الراوي ، واختلف في علة النهي فقيل : لكونه يشوه الخلقة ، وقيل لأنه زي الشيطان ، وقيل لأنه زي اليهود ، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ) القصة بضم القاف ثم المهملة والمراد بها هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا ، والحاصل منه أن القزع مخصوص بشعر الرأس وليس شعر الصدغين والقفا من الرأس . وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال : " لا بأس بالقصة " وسنده صحيح ، وقد تطلق القصة على الشعر المجتمع الذي يوضع على الأذن من غير أن يوصل شعر الرأس ، وليس هو المراد هنا ، وسيأتي الكلام عليه في " باب الموصولة " ، وأما ما أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القزع ، وهو أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة " فما أعرف الذي فسر القزع بذلك ، فقد أخرج أبو داود عقب هذا من حديث أنس " كانت لي ذؤابة فقالت أمي : لا أجزها ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمدها ويأخذ بها " وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له " ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال : " قرأت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان " ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها بالضفر وغيره والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة ، وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية