الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              المسألة السادسة

              حيث قيل بالتخيير بين الأخذ بالعزيمة ، والأخذ بالرخصة ; فللترجيح [ ص: 497 ] بينهما مجال رحب ، وهو محل نظر ، فلنذكر جملا مما يتعلق بكل طرف من الأدلة .

              فأما الأخذ بالعزيمة ; فقد يقال إنه أولى لأمور :

              أحدها : أن العزيمة هي الأصل الثابت المتفق عليه المقطوع به ، وورود الرخصة عليه ، وإن كان مقطوعا به أيضا ; فلا بد أن يكون سببها مقطوعا به في الوقوع ، وهذا المقدار بالنسبة إلى كل مترخص غير متحقق إلا في القسم المتقدم ، وما سواه لا تحقق فيه ، وهو موضع اجتهاد ; فإن مقدار المشقة المباح من أجلها الترخص غير منضبط ، ألا ترى أن السفر قد اعتبر في مسافته ثلاثة أميال فأكثر كما اعتبر أيضا ثلاثة أيام بلياليهن ، وعلة القصر المشقة ، وقد اعتبر فيها أقل ما ينطلق عليه اسم المشقة ، واعتبر في المرض أيضا أقل ما ينطلق عليه الاسم ; فكان منهم من أفطر لوجع أصبعه ، كما كان منهم من قصر في ثلاثة أميال ، واعتبر آخرون ما فوق ذلك ، وكل مجال الظنون لا موضع فيه للقطع ، وتتعارض فيه الظنون ، وهو محل الترجح والاحتياط ; فكان من مقتضى هذا كله أن لا يقدم على الرخصة مع بقاء احتمال في السبب .

              [ ص: 498 ] والثاني : إن العزيمة راجعة إلى أصل في التكليف كلي ; لأنه مطلق عام على الأصالة في جميع المكلفين ، والرخصة راجعة إلى جزئي بحسب بعض المكلفين ممن له عذر ، وبحسب بعض الأحوال وبعض الأوقات في أهل الأعذار لا في كل حالة ولا في كل وقت ، ولا لكل أحد ، فهو كالعارض الطارئ على الكلي ، والقاعدة المقررة في موضعها أنه إذا تعارض أمر كلي وأمر جزئي ; فالكلي مقدم لأن الجزئي يقتضي مصلحة جزئية ، والكلي يقتضي مصلحة كلية ، ولا ينخرم نظام في العالم بانخرام المصلحة الجزئية ، بخلاف ما إذا قدم اعتبار المصلحة الجزئية ; فإن المصلحة الكلية ينخرم نظام كليتها فمسألتنا كذلك ; إذ قد علم أن العزيمة بالنسبة إلى كل مكلف أمر كلي ثابت عليه ، والرخصة إنما مشروعيتها أن تكون جزئية ، وحيث يتحقق الموجب ، وما فرضنا الكلام فيه لا يتحقق في كل صورة تفرض إلا والمعارض الكلي ينازعه ; فلا ينجي من طلب الخروج عن العهدة إلا الرجوع إلى الكلي ; وهو العزيمة .

              والثالث : ما جاء في الشريعة من الأمر بالوقوف مع مقتضى الأمر والنهي مجردا ، والصبر على حلوه ومره ، وإن انتهض موجب الرخصة ، وأدلة ذلك لا تكاد تنحصر ، من ذلك قوله تعالى : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم [ آل عمران : 173 ] ; فهذا مظنة التخفيف ، فأقدموا على الصبر والرجوع إلى الله ; فكان عاقبة ذلك ما أخبر الله به .

              [ ص: 499 ] وقال تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر إلى آخر القصة حيث قال : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [ الأحزاب : 10 - 23 ] ; فمدحهم بالصدق مع حصول الزلزال الشديد والأحوال الشاقة التي بلغت القلوب فيها الحناجر ، وقد عرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه أن يعطوا الأحزاب من ثمار المدينة ; لينصرفوا عنهم فيخف عليهم الأمر ; فأبوا من ذلك ، وتعززوا بالله وبالإسلام ; فكان ذلك سببا لمدحهم والثناء عليهم .

              وارتدت العرب عند وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان الرأي من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ أو من بعضهم غير أبي بكر ـ استئلافهم بترك أخذ الزكاة ممن منعها منهم ; حتى يستقيم أمر الأمة ، ثم يكون ما يكون ; فأبى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ; [ ص: 500 ] فقال : " والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي " ، والقصة مشهورة .

              [ ص: 501 ] وأيضا ; قال الله تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره الآية [ النحل : 106 ] ; فأباح التكلم بكلمة الكفر ، مع أن ترك ذلك أفضل عند جميع الأمة أو عند الجمهور ، وهذا جار في قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; أن الأمر مستحب والأصل مستتب ، وإن أدى إلى الإضرار بالمال والنفس ، لكن يزول الانحتام ، ويبقى ترتب الأجر على الصبر على ذلك .

              ومن الأدلة قوله عليه الصلاة والسلام : إن خيرا لأحدكم أن لا يسأل من أحد شيئا فحمله الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على عمومه ، ولا بد أن يلحق من التزم هذا العقد مشقات كثيرة فادحة ، ولم يأخذوه إلا على عمومه حتى اقتدى [ ص: 502 ] بهم الأولياء ، منهم أبو حمزة الخراساني ; فاتفق له ما ذكره القشيري وغيره من وقوعه في البئر ، وقد كان هذا النمط مما يناسب استثناؤه من ذلك الأصل .

              وقصة الثلاثة الذين خلفوا حتى أتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصدقوه ، ولم يعتذروا له في موطن كان مظنة للاعتذار ، فمدحوا لذلك ، وأنزل الله توبتهم ، ومدحهم في القرآن بعد ما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، ولكن ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، ففتح لهم باب القبول ، وسماهم صادقين ; لأخذهم بالعزيمة دون الترخص .

              [ ص: 503 ] وقصة عثمان بن مظعون وغيره ممن كان في أول الإسلام لا يقدر على دخول مكة إلا بجوار ، ثم تركوا الجوار رضى بجوار الله مع ما نالهم من المكروه ، ولكن هانت عليهم أنفسهم في الله فصبروا إيمانا بقوله : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [ الزمر : 10 ] .

              وقال تعالى : لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [ آل عمران : 186 ] .

              وقال لنبيه عليه [ الصلاة و ] السلام : لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [ الأحقاف : 35 ] .

              وقال : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [ الشورى : 41 ] .

              ثم قال : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [ الشورى : 43 ] .

              ولما نزلت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية [ البقرة : 284 ] ; شق ذلك على الصحابة فقيل لهم : قولوا : سمعنا وأطعنا . فقالوها ; فألقى الله الإيمان في قلوبهم ; [ ص: 504 ] فنزلت : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه الآية [ البقرة : 285 ] .

              وجهز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسامة في جيش إلى الشام قبيل موته فتوقف خروجه بمرضه عليه السلام ، ثم جاء موته ; فقال الناس لأبي بكر : احبس أسامة بجيشه تستعين به على من حاربك من المجاورين لك ، فقال : لو لعب الكلاب بخلاخيل نساء أهل المدينة ; ما رددت جيشا أنفذه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولكن سأل [ ص: 505 ] أسامة أن يترك له عمر ; ففعل ، وخرج فبلغ الشام ، ونكأ في العدو بها ; فقالت الروم : إنهم لم يضعفوا بموت نبيهم ، وصارت تلك الحالة هيبة في قلوبهم لهم .

              وأمثال هذا كثيرة مما يقتضي الوقوف مع العزائم ، وترك الترخص ; لأن القوم عرفوا أنهم مبتلون ، وهو : الوجه الرابع : وذلك أن هذه العوارض الطارئة وأشباهها مما يقع للمكلفين من أنواع المشاق ، هي مما يقصدها الشارع في أصل التشريع أعني أن المقصود في التشريع إنما هو جار على توسط مجاري العادات ، وكونه شاقا على بعض الناس أو في بعض الأحوال مما هو على غير المعتاد لا يخرجه عن أن يكون مقصودا له ; لأن الأمور الجزئية لا تخرم الأصول الكلية ، وإنما تستثنى حيث تستثنى نظرا إلى أصل الحاجيات بحسب الاجتهاد ، والبقاء على الأصل من العزيمة هو المعتمد الأول للمجتهد ، والخروج عنه لا يكون إلا بسبب قوي ، ولذلك لم يعمل العلماء مقتضى الرخصة الخاصة بالسفر في غيره ; كالصنائع الشاقة في الحضر مع وجود المشقة التي هي العلة في مشروعية الرخصة ، فإذا لا ينبغي الخروج عن حكم العزيمة مع عوارض المشقات التي لا تطرد ولا تدوم ; لأن ذلك جار أيضا في العوائد الدنيوية ، ولم يخرجها ذلك عن أن تكون عادية ، فصار عارض المشقة ـ إذا لم يكن كثيرا أو دائما ـ مع أصل عدم المشقة ، كالأمر المعتاد أيضا ; فلا يخرج عن ذلك بالأصل .

              [ ص: 506 ] لا يقال : كيف يكون اجتهاديا وفيه نصوص كثيرة ; كقوله : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه [ البقرة : 173 ] .

              وقوله : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر الآية [ البقرة : 184 ] .

              و إن الله يحب أن تؤتى رخصه .

              إلى غير ذلك مما تقدم وسواه مما في معناه .

              لأنا نقول : حالة الاضطرار قد تبين أنه الذي يخاف معه فوت الروح ، وذلك لا يكون إلا بعد العجز عن العبادات والعادات ، وهو في نفسه عذر أيضا ; وما سوى ذلك فمحمول على تحقق المشقة التي يعجز معها عن القيام بالوظائف الدينية أو الدنيوية ، بحيث ترجع العزيمة إلى نوع من تكليف ما لا يطاق ، وهو منتف سمعا ، وما سوى ذلك من المشاق مفتقر إلى دليل يدل على دخوله تحت تلك النصوص ، وفيه تضطرب أنظار النظار كما تقدم ، فلا معارضة بين النصوص المتقدمة وبين ما نحن فيه ، وسبب ذلك ـ وهو روح هذا الدليل ـ هو أن هذه العوارض الطارئة تقع للعباد ابتلاء ، واختبارا لإيمان المؤمنين وتردد المترددين ، حتى يظهر للعيان من آمن بربه على بينة ممن هو في شك ، ولو كانت التكاليف كلها يخرم كلياتها كل مشقة عرضت لانخرمت الكليات كما تقدم ، ولم يظهر لنا شيء من ذلك ، ولم يتميز الخبيث من الطيب ، فالابتلاء في [ ص: 507 ] التكاليف واقع ، ولا يكون إلا مع بقاء أصل العزيمة ، فيبتلى المرء على قدر دينه ، قال تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] .

              الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم الآية [ العنكبوت : 1 - 3 ] .

              لتبلون في أموالكم وأنفسكم ، ثم قال : وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [ آل عمران : 186 ] .

              ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ محمد : 31 ] .

              وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين [ آل عمران : 141 ] .

              ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [ البقرة : 155 ] إلى آخرها .

              فأثنى عليهم بأنهم صبروا لها ، ولم يخرجوا بها عن أصل ما حملوه إلى غيره ، وقوله : ولنبلونكم بشيء يدل على أن هذه البلوى قليلة الوقوع بالنسبة إلى جمهور الأحوال كما تقدم في أحوال التكليف ; فإذا كان المعلوم من الشرع في مثل هذه الأمور طلب الاصطبار عليها والتثبت فيها حتى يجري التكليف على مجراه الأصلي ، كان الترخص على الإطلاق كالمضاد لما قصده الشارع من تكميل العمل على أصالته لتكميل الأجر .

              والخامس : أن الترخص إذا أخذ به في موارده على الإطلاق ، كان ذريعة إلى انحلال عزائم المكلفين في التعبد على الإطلاق ، فإذا أخذ بالعزيمة ; كان حريا بالثبات في التعبد ، والأخذ بالحزم فيه .

              [ ص: 508 ] بيان الأول " أن الخير عادة والشر لجاجة " ، وهذا مشاهد محسوس لا يحتاج إلى إقامة دليل ، والمتعود لأمر يسهل عليه ذلك الأمر ما لا يسهل على غيره ; كان خفيفا في نفسه أو شديدا ، فإذا اعتاد الترخص ; صارت كل عزيمة في يده كالشاقة الحرجة ، وإذا صارت كذلك ; لم يقم بها حق قيامها ، وطلب الطريق إلى الخروج منها ، وهذا ظاهر ، وقد وقع هذا المتوقع في أصول كلية وفروع جزئية ; كمسألة الأخذ بالهوى في اختلاف أقوال العلماء ، ومسألة إطلاق القول بالجواز عند اختلافهم بالمنع والجواز ، وغير ذلك مما نبه عليه في أثناء الكتاب أو لم ينبه عليه .

              وبيان الثاني ظاهر أيضا مما تقدم ; فإنه ضده .

              وسبب هذا كله أن أسباب الرخص أكثر ما تكون مقدرة ومتوهمة لا محققة ، فربما عدها شديدة وهي خفيفة في نفسها ، فأدى ذلك إلى عدم صحة التعبد ، وصار عمله ضائعا وغير مبني على أصل ، وكثيرا ما يشاهد الإنسان ذلك ، فقد يتوهم الإنسان الأمور صعبة ، وليست كذلك إلا بمحض التوهم ; ألا ترى أن المتيمم لخوف لصوص أو سباع ، إذا وجد الماء في الوقت أعاد عند مالك ; لأنه عده مقصرا ; لأن هذا يعتري في أمثاله مصادمة الوهم المجرد الذي لا دليل عليه ، بخلاف ما لو رأى اللصوص أو السباع ، وقد منعته من الماء ; فلا إعادة هنا ، ولا يعد هذا مقصرا ، ولو تتبع الإنسان الوهم لرمى به في مهاو [ ص: 509 ] بعيدة ، ولأبطل عليه أعمالا كثيرة ، وهذا مطرد في العادات والعبادات وسائر التصرفات .

              وقد تكون شديدة ، ولكن الإنسان مطلوب بالصبر في ذات الله والعمل على مرضاته ، وفي الصحيح : من يصبر يصبره الله ، وجاء في آية الأنفال في وقوف الواحد للاثنين بعد ما نسخ وقوفه للعشرة والله مع الصابرين [ الأنفال : 66 ] ، قال بعض الصحابة لما نزلت : " نقص من الصبر بمقدار ما نقص من العدد " هذا بمعنى الخبر ، وهو موافق للحديث والآية .

              [ ص: 510 ] والسادس : إن مراسم الشريعة مضادة للهوى من كل وجه ; كما تقرر في كتاب المقاصد من هذا الكتاب ، وكثيرا ما تدخل المشقات ، وتتزايد من جهة مخالفة الهوى ، واتباع الهوى ضد اتباع الشريعة ; فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء ، سواء أكان في نفسه شاقا أم لم يكن ; لأنه يصده عن مراده ، ويحول بينه وبين مقصوده ، فإذا كان المكلف قد ألقى هواه ونهى نفسه عنه ، وتوجه إلى العمل بما كلف به خف عليه ، ولا يزال بحكم الاعتياد يداخله حبه ، ويحلو له مره حتى يصير ضده ثقيلا عليه ، بعد ما كان الأمر بخلاف ذلك ، فصارت المشقة وعدمها إضافية تابعة لغرض المكلف ; فرب صعب يسهل لموافقة الغرض ، وسهل يصعب لمخالفته .

              فالشاق على الإطلاق في هذا المقام وهو ما لا يطيقه من حيث هو مكلف ; كان مطيقا له بحكم البشرية ، أم لا ، هذا لا كلام فيه ، إنما الكلام في غيره مما هو إضافي ، لا يقال فيه : [ إنه ] مشقة على الإطلاق ، ولا إنه ليس بمشقة على الإطلاق ، وإذا كان دائرا بين الأمرين ، وأصل العزيمة حقيقي ثابت ; فالرجوع إلى أصل العزيمة حق ، والرجوع إلى الرخصة ينظر فيه بحسب كل شخص ، وبحسب كل عارض ; فإذا لم يكن في ذلك بيان قطعي ، وكان أعلى ذلك الظن الذي لا يخلو عن معارض ; كان الوجه الرجوع إلى الأصل ، [ ص: 511 ] حتى يثبت أن المشقة المعتبرة في حق هذا الشخص حق ، ولا تكون حقا على الإطلاق ; حتى تكون بحيث لا يستطيعها ، فتلحق حينئذ بالقسم الأول الذي لا كلام فيه ، هذا إذا لم يأت دليل من خارج يدل على اعتبار الرخصة والتخفيف مطلقا ; كفطره عليه [ الصلاة و ] السلام في السفر حين أبى الناس من الفطر ، وقد شق الصوم عليهم ; فهذا ونحوه أمر آخر إلى ما تقدم من الأقسام ، وإنما الكلام في غيره .

              فثبت أن الوقوف مع العزائم أولى ، والأخذ بها في محال الترخص أحرى .

              فإن قيل : فهل الوقوف مع أصل العزيمة من قبيل الواجب أو المندوب على الإطلاق أم ثم انقسام ؟

              فالجواب : إن ذلك يتبين بتفصيل أحوال المشقات ، وهي :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية