الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              المسألة الخامسة

              الترخص المشروع ضربان :

              أحدهما : أن يكون في مقابلة مشقة لا صبر عليها طبعا ; كالمرض الذي يعجز معه عن استيفاء أركان الصلاة على وجهها مثلا أو عن الصوم لفوت [ ص: 494 ] النفس .

              أو شرعا كالصوم المؤدي إلى عدم القدرة على الحضور في الصلاة أو على إتمام أركانها ، وما أشبه ذلك .

              والثاني : أن يكون في مقابلة مشقة بالمكلف قدرة على الصبر عليها ، وأمثلته ظاهرة .

              فأما الأول ; فهو راجع إلى حق الله ; فالترخص فيه مطلوب ، ومن هنا جاء : ليس من البر الصيام في السفر ، وإلى هذا المعنى يشير النهي عن الصلاة بحضرة الطعام أو وهو يدافعه الأخبثان ، و إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء إلى ما كان نحو ذلك ; فالترخص في هذا الموضع ملحق بهذا الأصل ، ولا كلام أن الرخصة هاهنا جارية مجرى العزائم ، ولأجله قال العلماء بوجوب أكل الميتة خوف التلف ، وأن من لم يفعل ذلك فمات دخل النار .

              وأما الثاني : فراجع إلى حظوظ العباد لينالوا من رفق الله وتيسيره بحظ ; إلا أنه على ضربين :

              [ ص: 495 ] أحدهما : أن يختص بالطلب حتى لا يعتبر فيه حال المشقة أو عدمها ; كالجمع بعرفة والمزدلفة ; فهذا أيضا لا كلام فيه أنه لاحق بالعزائم ، من حيث صار مطلوبا مطلقا طلب العزائم حتى عده الناس سنة لا مباحا ، لكنه مع ذلك لا يخرج عن كونه رخصة ; إذ الطلب الشرعي في الرخصة لا ينافي كونها رخصة ; كما يقوله العلماء في أكل الميتة للمضطر ; فإذا هي رخصة من حيث وقع عليها حد الرخصة ، وفي حكم العزيمة من حيث كانت مطلوبة طلب العزائم .

              والثاني : أن لا يختص بالطلب ، بل يبقى على أصل التخفيف ورفع الحرج ، فهو على أصل الإباحة ، فللمكلف الأخذ بأصل العزيمة ، وإن تحمل في ذلك مشقة ، وله الأخذ بالرخصة .

              والأدلة على صحة الحكم على هذه الأقسام ظاهرة ، فلا حاجة إلى إيرادها ، فإن تشوف أحد إلى التنبيه على ذلك فنقول : أما الأول ; فلأن المشقة إذا أدت إلى الإخلال بأصل كلي ; لزم أن لا يعتبر فيه أصل العزيمة ; إذ قد صار إكمال العبادة هنا والإتيان بها على وجهها يؤدي إلى رفعها من أصلها ، فالإتيان بما قدر عليها منها ـ وهو مقتضى الرخصة ـ هو المطلوب ، وتقرير هذا الدليل مذكور في كتاب المقاصد من هذا الكتاب .

              [ ص: 496 ] وأما الثاني ; فإذا فرض اختصاص الرخصة المعينة بدليل يدل على طلب [ العمل بها على الخصوص ، خرجت من هذا الوجه عن أحكام الرخصة في نفسها ، كما ثبت عند مالك ] [ الدليل على ] طلب الجمع بعرفة والمزدلفة ، فهذا وشبهه مما اختص عن عموم حكم الرخصة ، ولا كلام فيه .

              وأما الثالث ; فما تقدم من الأدلة واضح في الإذن في الرخصة أو في رفع الإثم عن فاعلها .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية