الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 9 ) باب المسح على الخفين

الفصل الأول

517 - عن شريح بن هانئ رضي الله عنه ، قال : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن المسح على الخفين ، فقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوما وليلة للمقيم . رواه مسلم .

التالي السابق


( 9 ) باب المسح على الخفين

أخر عن الوضوء والغسل تأخر الجزء عن الكل ، أو تأخر النائب عن المناب ، لكن نيابته مختصة بالوضوء كما سيأتي ، والمسح إصابة اليد المبتلة بالعضو ، وإنما عدي بعلى إشارة إلى موضعه ، وهو فوق الخف دون داخله وأسفله على ما ورد مخالفا للقياس ، والخف : ما يستر الكعب ويمكن به ضروريات السفر ، وإنما ثني لأن المسح لا يجوز على أحدهما دون الآخر ، وهو ثابت بالسنة كما سترى . قال الحسن البصري : أدركت سبعين نفرا من الصحابة يرون المسح على الخفين ، ولذا قال أبو حنيفة : ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار . وقال الكرخي : أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين ; لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر ، وبالجملة من لا يرى المسح على الخفين فهو من أهل البدع والأهواء ، حتى سئل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن علامات أهل السنة والجماعة ؟ فقال : أن تحب الشيخين ، ولا تطعن الختنين ، وتمسح على الخفين . هذا ، ويمكن أن يقال : إنه ثابت بالكتاب أيضا ، بحمل القراءتين في آية الوضوء على الحالتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قيل : هو من خصائص هذه الأمة ، ورخصة شرعت ارتفاقا ; ليتمكن العبد معها من الاستكثار من عبادة ربه ، والتردد في حوائج معاشه ، أو لدفع الحرج المنفي عن هذه الأمة ; لقوله تعالى : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وبقوله عليه الصلاة والسلام : " بعثت بالملة الحنيفية السمحاء " ويرد على من روى عن مالك عدم جوازه مطلقا أو في الحضر الأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة في مسحه عليه الصلاة والسلام سفرا وحضرا ، وأمره وترخيصه فيه ، واتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه ، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن أحاديثه متواترة المعنى ، وجمع بعضهم رواته [ ص: 473 ] فبلغوا مائتين ، وادعى بعض العلماء فيه الإجماع ، لكن رده ابن المنذر ، وفي شرح الهداية لابن الهمام ، قال ابن عبد البر : لم يرد عن أحد من الصحابة إنكار المسح إلا ابن عباس ، وعائشة ، وأبي هريرة ، فأما ابن عباس وأبو هريرة فقد جاء عنهما بالأسانيد الحسان خلاف ذلك ، وموافقة سائر الصحابة ، وأما عائشة ففي صحيح مسلم أنها أحالت ذلك على علم علي ، وفي رواية قالت : وسكت عنه أعني المسح : ما لي بهذا علم . وما رواه محمد بن مهاجر البغدادي عنها : " لأن أقطع رجلي بالموسى أحب إلي من أن أمسح على الخفين " باطل ; نص على ذلك الحفاظ .

الفصل الأول

517 - ( عن شريح ) بالتصغير ( بن هانئ ) : بالهمز على وزن فاعل ، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه كنى أباه فقال : " أنت أبو شريح " من أصحاب علي كرم الله وجهه ، كذا ذكره المصنف في أسماء رجاله في عدد الصحابة ، وقد صرح ابن الملك في شرح المنار بأنه تابعي ، فكأن المصنف تبع ابن عبد البر في ذكر المخضرمين مع الصحابة ( قال : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن المسح ) أي : عن مدته ( على الخفين ) أو عن جوازه عليهما ، والجواب على الأول مطابق للسؤال ، وعلى الثاني مستلزم له ( فقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : مدته ( ثلاثة أيام ولياليهن ) بفتح الياء ( للمسافر ) والجمهور على أن ابتداءه من وقت الحدث بعد المسح ، وقيل : من وقت المسح ، وهو ظاهر هذا الحديث ، ولذا قال النووي : هو الراجح دليلا ، وقيل : من وقت اللبس ( ويوما وليلة للمقيم ) وهو حجة على مالك ; حيث لم ير للمقيم مسحا ، ولم يقيد للمسافر بمدة ، ثم اعلم أن السفر لغة قطع المسافة ، وليس كل قطع تتغير به الأحكام من جواز الإفطار وقصر الرباعية ، ومسح ثلاثة أيام ولياليها على الخف ، فعم النبي صلى الله عليه وسلم برخصة المسح ثلاثة أيام جنس المسافرين ; لأن اللام في المسافر للاستغراق لعدم المعهود المعين ، ومن ضرورة عموم الرخصة الجنس ، حتى إنه يتمكن كل مسافر من مسح ثلاثة أيام لكل سفر ، فالحاصل أن كل مسافر يمسح ثلاثة أيام ، فلو كان السفر الشرعي أقل من ذلك لثبت مسافر لا يمكنه مسح ثلاثة أيام ، وقد كان كل مسافر يمكنه ذلك ، ولأن الرخصة كانت منتفية بيقين ، فلا تثبت إلا بيقين ما هو سفر في الشرع ، وهو فيما عيناه إذا لم يقل أحد بأكثر منه ، ويدل على القصر لمسافر أقل من ثلاثة ، حديث ابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام قال : " يا أهل مكة ، لا تقصروا في أدنى من أربع برد من مكة إلى عسفان " . فإنه يفيد الحصر في الأربعة برد ، وهي تقطع في أقل من ثلاثة أيام . وأجيب : بضعف الحديث لضعف رواية عبد الوهاب بن مجاهد ، فبقي قصر الأقل بلا دليل ، كذا حققه الإمام ابن الهمام ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية