الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 245 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأنفال

عرفت بهذا الاسم من عهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : روى الواحدي في أسباب النزول عن سعد بن أبي وقاص قال : " لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي فأخذت سيفه فأتيت به النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقال : اذهب القبض ( بفتحتين الموضع الذي تجمع فيه الغنائم ) فرجعت في ما لا يعلمه إلا الله ، قتل أخي وأخذ سلبي . فما جاوزت قريبا حتى نزلت سورة الأنفال .

وأخرج البخاري ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس سورة الأنفال قال : " نزلت في بدر . فباسم الأنفال عرفت بين المسلمين وبه كتبت تسميتها في المصحف حين كتبت أسماء السور في زمن الحجاج ، ولم يثبت في تسميتها حديث ، وتسميتها سورة الأنفال من أنها افتتحت بآية فيها اسم الأنفال ، ومن أجل أنها ذكر فيها حكم الأنفال كما سيأتي .

وتسمى أيضا " سورة بدر " ففي الإتقان أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الأنفال قال : تلك سورة بدر .

وقد اتفق رجال الأثر كلهم على أنها نزلت في غزوة بدر : قال ابن إسحاق : أنزلت في أمر بدر سورة الأنفال بأسرها ، وكانت غزوة بدر في رمضان من العام الثاني للهجرة بعد عام ونصف من يوم الهجرة ، وذلك بعد تحويل القبلة بشهرين ، وكان ابتداء نزولها قبل الانصراف من بدر فإن الآية الأولى منها نزلت والمسلمون في بدر قبل قسمة مغانمها ، كما دل عليه حديث سعد بن أبي وقاص والظاهر أنها استمر نزولها إلى ما بعد الانصراف من بدر .

وفي كلام أهل أسباب النزول ما يقتضي أن آية الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إلى مع الصابرين نزلت بعد نزول السورة بمدة طويلة ، كما روي عن ابن عباس ، وسيأتي تحقيقه هنالك .

[ ص: 246 ] وقال جماعة من المفسرين : إن آيات يا أيها النبيء حسبك الله إلى لا يفقهون نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل ابتداء القتال ، فتكون تلك الآية نزلت قبل نزول أول السورة .

نزلت هذه السورة بعد سورة البقرة ، ثم قيل هي الثانية نزولا بالمدينة ، وقيل نزلت البقرة ثم آل عمران ثم الأنفال ، والأصح أنها ثانية السور بالمدينة نزولا بعد سورة البقرة .

وقد بينت في المقدمات أن نزول سورة بعد أخرى لا يفهم منه أن التالية تنزل بعد انقضاء نزول التي قبلها ، بل قد يبتدأ نزول سورة قبل انتهاء السورة التي ابتدئ نزولها قبل ، ولعل سورة الأنفال قد انتهت قبل انتهاء نزول سورة البقرة ، لأن الأحكام التي تضمنتها سورة الأنفال من جنس واحد وهي أحكام المغانم والقتال ، وتفننت أحكام سورة البقرة أفانين كثيرة : من أحكام المعاملات الاجتماعية ، ومن الجائز أن تكون البقرة نزلت بعد نزولها بقليل سورة آل عمران ، وبعد نزول آل عمران بقليل نزلت الأنفال ، فكان ابتداء نزول الأنفال قبل انتهاء نزول البقرة وآل عمران . وفي تفسير ابن عطية عند قوله - تعالى - وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم من هذه السورة قالت فرقة : نزلت هذه الآية كلها بمكة قال ابن أبزى : نزل قوله وما كان الله ليعذبهم بمكة إثر قولهم أو ائتنا بعذاب أليم ونزل قوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون عند خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ونزل قوله وما لهم ألا يعذبهم الله بعد بدر .

وقد عدت السورة التاسعة والثمانين في عداد نزول سور القرآن في رواية جابر بن زيد عن ابن عباس ، وإنها نزلت بعد سورة آل عمران وقبل سورة الأحزاب .

وعدد آيها ، في عد أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة : ست وسبعون ، وفي عد أهل الشام سبع وسبعون ، وفي عد أهل الكوفة خمس وسبعون .

ونزولها بسبب اختلاف أهل بدر في غنائم يوم بدر وأنفاله ، وقيل بسبب ما سأله بعض الغزاة النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم من الأنفال ، كما سيأتي عند تفسير أول آية منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية