الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ، التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة أن الله يقول : ما أشهدت إبليس وجنوده ; أي : ما أحضرتهم خلق السماوات والأرض ، فأستعين بهم على خلقها ولا خلق أنفسهم ، أي : ولا أشهدتهم خلق أنفسهم ، أي : ما أشهدت بعضهم خلق بعضهم فأستعين به على خلقه ، بل تفردت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير ! فكيف تصرفون لهم حقي وتتخذونهم أولياء من دوني وأنا خالق كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المعنى الذي أشارت له الآية من أن الخالق هو المعبود وحده جاء مبينا في آيات كثيرة ، وقد قدمنا كثيرا منها في مواضع متعددة ، كقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقولـه : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، وقولـه : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين [ 31 \ 11 ] ، وقولـه تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات [ 35 \ 40 ] ، وقولـه تعالى : قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات [ 46 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما قدمناه مرارا . وقال بعض العلماء ولا خلق أنفسهم أي : ما أشهدتهم خلق أنفسهم ; بل خلقتهم على ما أردت وكيف شئت . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وما كنت متخذ المضلين عضدا [ 18 \ 51 ] ، فيه الإظهار في محل الإضمار ; لأن الأصل الظاهر . وما كنت متخذهم عضدا ، كقوله : ما أشهدتهم والنكتة البلاغية في الإظهار في محل الإضمار هي ذمه تعالى لهم بلفظ [ ص: 295 ] الإضلال . وقوله " عضدا " أي : أعوانا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية الكريمة التنبيه على أن الضالين المضلين لا تنبغي الاستعانة بهم ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى المذكور أشير له في مواضع أخر ; كقوله تعالى : قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين [ 28 \ 17 ] ، والظهير : المعين ، والمضلون : الذين يضلون أتباعهم عن طريق الحق ، وقد قدمنا معنى الضلال وإطلاقاته في القرآن بشواهده العربية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية