الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الخمر من العنب

                                                                                                                                                                                                        5257 حدثنا الحسن بن صباح حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك هو ابن مغول عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الخمر من العنب وغيره ) كذا في شرح ابن بطال ، ولم أر لفظ " وغيره " في شيء من نسخ الصحيح ولا المستخرجات ولا الشروح سواه . قال ابن المنير : غرض البخاري الرد على الكوفيين إذ فرقوا بين ماء العنب وغيره فلم يحرموا من غيره إلا القدر المسكر خاصة ، وزعموا أن الخمر ماء العنب خاصة ، قال : لكن في استدلاله بقول ابن عمر - يعني الذي أورده في الباب " حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء " - على أن الأنبذة التي كانت يومئذ تسمى خمرا نظر ، بل هو بأن يدل على أن الخمر من العنب خاصة أجدر ، لأنه قال : وما منها بالمدينة شيء - يعني الخمر - وقد كانت الأنبذة من غير العنب موجودة حينئذ بالمدينة ، فدل على أن الأنبذة ليست خمرا ، إلا أن يقال إن كلام ابن عمر يتنزل على جواب قول من قال لا خمر إلا من العنب ، فيقال : قد حرمت الخمر وما بالمدينة من خمر العنب شيء ، بل كان الموجود بها من الأشربة ما يصنع من البسر والتمر ونحو ذلك ، وفهم الصحابة من تحريم الخمر تحريم ذلك كله ، ولولا ذلك ما بادروا إلى إراقتها . قلت : ويحتمل أن يكون مراد البخاري بهذه الترجمة وما بعدها أن الخمر يطلق على ما يتخذ من عصير العنب ، ويطلق على نبيذ البسر والتمر ، ويطلق على ما يتخذ من العسل ، فعقد لكل واحد منها بابا ، ولم يرد حصر التسمية في العنب ، بدليل ما أورده بعده . ويحتمل أن يريد بالترجمة الأولى الحقيقة وبما عداها المجاز ، والأول أظهر من تصرفه . وحاصله أنه أراد بيان الأشياء التي وردت فيها الأخبار على شرطه لما يتخذ منه الخمر ، فبدأ بالعنب لكونه المتفق عليه ، ثم أردفه بالبسر والتمر ، والحديث الذي أورده فيه عن أنس ظاهر في المراد جدا ، ثم ثلث بالعسل إشارة إلى أن ذلك لا يختص بالتمر والبسر ، ثم أتى بترجمة عامة لذلك وغيره وهي " الخمر ما خامر العقل " والله أعلم . وفيه إشارة إلى ضعف الحديث الذي جاء عن أبي هريرة مرفوعا الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة أو أنه ليس المراد به الحصر فيهما ، والمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتد فإنه يحرم تناول قليله وكثيره بالاتفاق . وحكى ابن قتيبة عن قوم من مجان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة ، وهو قول مهجور لا يلتفت إلى قائله . وحكى أبو جعفر [ ص: 39 ] النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ليس بحرام ، قال : وهذا عظيم من القول يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه ، ولو كان مستند الخلاف واهيا . ونقل الطحاوي في " اختلاف العلماء " عن أبي حنيفة : الخمر حرام قليلها وكثيرها ، والسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر ، والنبيذ المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان ، وإنما يحرم منه القدر الذي يسكر . وعن أبي يوسف : لا بأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا إلا الزبيب والتمر ، قال : وكذا حكاه محمد عن أبي حنيفة . وعن محمد : ما أسكر كثيره فأحب إلي أن لا أشربه ولا أحرمه . وقال الثوري : أكره نقيع التمر ونقيع الزبيب إذا غلي ، ونقيع العسل لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني الحسن بن صباح ) هو البزار آخره راء ، ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري ، وقد يحدث عنه بواسطة كهذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا مالك هو ابن مغول ) كان شيخ البخاري حدث به فقال " حدثنا مالك " ولم ينسبه فنسبه هو لئلا يلتبس بمالك بن أنس ، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث المذكور من طريق محمد بن إسحاق الصغاني عن محمد بن سابق فقال : " عن مالك بن مغول " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وما بالمدينة منها شيء ) يحتمل أن يكون ابن عمر نفى ذلك بمقتضى ما علم ، أو أراد المبالغة من أجل قلتها حينئذ بالمدينة فأطلق النفي ، كما يقال فلان ليس بشيء مبالغة ، ويؤيده قول أنس المذكور في الباب " وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا " ويحتمل أن يكون مراد ابن عمر وما بالمدينة منها شيء أي يعصر ، وقد تقدم في تفسير المائدة من وجه آخر عن ابن عمر قال : " نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب " وحمل على ما كان يصنع بها لا على ما يجلب إليها . وأما قول عمر في ثالث أحاديث الباب " نزل تحريم الخمر وهي من خمسة " فمعناه أنها كانت حينئذ تصنع من الخمسة المذكورة في البلاد ، لا في خصوص المدينة كما سيأتي تقريره بعد بابين مع شرحه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية