الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن يذكر أنه توفي في هذه السنة تقريبا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد بن ضمرة بن [ ص: 398 ] عقفان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ، أبو الوليد المري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويعرف بابن سهية ، وهي أمه بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن خديج بن أبي جشم بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، سبية من كلب ، وكانت عند ضرار بن الأزور ، ثم صارت إلى زفر - وهي حامل - فأتت بأرطاة على فراشه ، وقد عمر أرطاة دهرا طويلا حتى جاوز المائة بثلاثين سنة ، وقد كان سيدا شريفا مطاعا ممدحا شاعرا مطبقا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال المدائني : ويقال : إن بني عقفان بن حنظلة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن دعبس ، دخلوا في بني مرة بن نشبة ، فقالوا : بني عقفان بن أبي حارثة بن مرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد وفد أبو الوليد أرطاة بن زفر هذا على عبد الملك بن مروان ، فأنشده [ ص: 399 ] أبياتا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رأيت المرء تأكله الليالي كأكل الأرض ساقطة الحديد     وما تبقي المنية حين تأتي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على نفس ابن آدم من مزيد     وأعلم أنها ستكر حتى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي نذرها بأبي الوليد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فارتاع عبد الملك ، وظن أنه عناه بذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما عنيت نفسي ، فقال عبد الملك : وأنا والله سيمر بي الذي يمر بك . وزاد بعضهم هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خلقنا أنفسا وبني نفوس     ولسنا بالسلام ولا الحديد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لئن فجعت بالقرناء يوما     لقد متعت بالأمل البعيد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو القائل :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإني لقوام لدى الضيف موهنا     إذا أسبل الستر البخيل المواكل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعا فأجابته كلاب كثيرة     على ثقة مني بأني فاعل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما دون ضيفي من تلاد تحوزه     لي النفس إلا أن تصان الحلائل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 400 ] يونس بن عطية الحضرمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي مصر ، وصاحب الشرطة في أيام عبد العزيز بن مروان ، ثم تولى بعده القضاء ابن أخيه أوس بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مطرف بن عبد الله بن الشخير

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان من كبار التابعين ، وكان من أصحاب عمران بن حصين ، وكان مجاب الدعوة ، وكان يقول : ما أوتي أحد أفضل من العقل ، وعقول الناس على قدر زمانهم ، وقال : إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله : هذا عبدي حقا . وقال : إذا دخلتم على مريض فإن استطعتم أن يدعو لكم ، فإنه قد حرك - أي : قد أوقظ من غفلته بسبب مرضه - فدعاؤه مستجاب من أجل كسره ورقة قلبه ، وقال : إن أقبح ما طلبت به الدنيا عمل الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال لبعض إخوانه : إذا كانت لك إلي حاجة ، فلا تكلمني فيها ; فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك ، ولكن اكتبها في رقعة وارفعها . وكان يقول : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعم نعيمهم ، فاطلبوا نعيما لا موت فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : لو علمت متى أجلي ، لخشيت على ذهاب عقلي ، ولكن الله من على عباده بالغفلة عن الموت ، ولولا الغفلة لما تهنوا بعيش ، ولا قامت بينهم الأسواق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مطرف إذا دخل بيته ، سبحت معه آنية بيته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يسكن البادية ، ويجيء منها إلى الجمعة مبكرا ، فمر مرة بمقبرة ، فنعس [ ص: 401 ] فنام عند القبور ، فرأى في منامه أهل القبور على أفواه قبورهم ، فقالوا : هذا مطرف يذهب إلى الجمعة . قال : فقلت لهم : وتعرفون الجمعة من غيرها ؟ قالوا : نعم ، ونعرف ما يقول الطير في جو السماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقلت : وما تقول ؟ قالوا : تقول : سلام سلام ليوم صالح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يقول : يا إخوتاه ، اجتهدوا في الأعمال الصالحة ; فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله ، كان لنا درجات في الجنة ، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف لم نقل : ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول : قد عملنا فلم ينفعنا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يدعو : اللهم ارض عنا ، فإن لم ترض عنا ، فاعف عنا ، فإن المولى قد يعفو عن العبد ، وهو عنه غير راض .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مطرف قد حفر في داره قبرا ، كان كل يوم ينزل إليه ، فيصلي فيه ، ويقرأ القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي مطرف بالبصرة ، وكان له منزلة عند الخلفاء والملوك والأمراء ، وكان هو من أرشد الناس فيهم ، وكان مجاب الدعوة ; كذب عليه رجل عند بعض الأمراء ، فقال مطرف : يا هذا ، إن كنت كاذبا عجل الله حتفك . فوقع الرجل ميتا مكانه . والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية