الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

3849 - عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ، فمر رجل بغار فيه شيء من ماء وبقل ، فحدث نفسه بأن يقيم فيه ويتخلى من الدنيا ، فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لم أبعث باليهودية ، ولا بالنصرانية ، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ، والذي نفس محمد بيده لغدوة ، أو روحة في سبيل الله ، خير من الدنيا وما فيها ، ولمقام أحدكم في الصف ، خير من صلاته ستين سنة " . رواه أحمد .

التالي السابق


الفصل الثالث

3849 - ( عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ) : بفتح سين مهملة وكسر راء وتشديد تحتية وهي الطائفة من الجيش ، يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، سموا بذلك ; لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من السرى ، وهو الشيء النفيس . وفي المغرب : سرى بالليل يسري من باب ضرب بمعنى سار ليلا ، وأسرى مثله ، ومنه السرية لواحدة السرايا ; لأنها تسري خفية ، ويجوز أن يكون من الإسراء والاختيار ; لأنها جماعة سراة ; أي مختارة ، ولم يرد في تحديدها نص ، ومحصول ما ذكره محمد رحمه الله في السير أن التسعة فما فوقها سرية ، والثلاثة والأربعة ونحو ذلك طليعة لا سرية ، وما روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيسا وحده سرية يخالف ذلك ، هذا وقد قال السيد جمال الدين في روضة الأحباب ، ما معناه : إن الغزو في اصطلاح أهل السير والمحدثين ، هو الذي حضره - صلى الله عليه وسلم - بنفسه الأنفس ، وغيره يسمى بعثا وسرية ، فعلى هذا يشكل قول أبي أمامة : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ، اللهم إلا أن يقال إنه - صلى الله عليه وسلم - خرج مشيعا لهم ، أو يراد بالسرية المعنى اللغوي ، وهو طائفة قليلة تسري بالمعنى الأعم ، ويراد به الأخص وهو علنا ، أو جرد في معناه من قيد خفية . ( فمر رجل ) : أي : من رجال السرية ( بغار فيه شيء ) : أي : قليل ( من ماء ) : أي : يكفي لطهارة السالك وشربه ، وهو يحتمل أنه كان جاريا أم لا . ( وبقل ) : بالجر عطف على ماء وفي نسخة بالرفع عطفا على شيء ، والمراد بقل يأكل منه الطالب ، أو يتنزه منه الناظر ( فحدث ) : أي : كلم الرجل ( نفسه ) : على التجريد ، أو حدث في نفسه ( بأن يقيم فيه ) : أي : بعد الجهاد ، أو قبله بحسب الجذبة ( ويتخلى من الدنيا ) : أي : من أهلها ومتعلقاتها ، ويكون متجردا لعبادة الله وثمراته ( فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ) : أي : في ذلك الأمر في ذلك المكان ، أو بعد مراجعته إليه - صلى الله عليه وسلم - ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لم أبعث ) : بصيغة المجهول ; أي : لم أرسل ولم أؤمر ( باليهودية [ ص: 2491 ] ولا بالنصرانية ) : أي : بالملة التي فيها أمور شاقة من الرهبانية ، ونتيجتها قاصرة على سلاك تلك الطريقة ( ولكني بعثت بالحنيفية ) : أي : الملة المائلة عن السبل الزائغة إلى طريق التوحيد وسبيل الاستقامة ( السمحة ) : أي : السهلة ليس فيها حرج ومشقة زائدة ، ومنفعتها إلى الغير متعدية ، كالجهاد والجمعة والجماعة وعيادة المريض وتشييع الجنازة وتعلم وتعليم وتحصيل كمال ، ثم تكميل ، فإن العلماء والأولياء ورثة الأنبياء .

قال الطيبي : لكن يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها ، كما هو مقرر ; أي : ما بعثت بالرهبانية الشاقة ، بل بعثت بالحنيفية السمحة ، فوضع قوله باليهودية ولا بالنصرانية موضع الرهبانية الشاقة ( والذي نفس محمد بيده ) : أي : بتصرفه فضلا عن سائر النفوس ( لغدوة ، أو روحة في سبيل الله ) : أي : الجهاد ، أو الحج ، أو العلم ، أو غيرهما من طرق الطاعة والعبادة ، وأو للتنويع والغدوة مرة من ذهاب أول النهار ، والروحة من آخر النهار ، أو أول الليل ، ولعل التقييد باعتبار الغالب العادي ( خير من الدنيا وما فيها ) : قال النووي : الظاهر أن الغدوة والروحة غير مختصتين بالغدو والرواح ، بل كل لمحة وساعة هو في سبيل الله خير له من الدنيا وما فيها لو ملكها وتصور تنعمه فيها ; لأنه زائل ونعيم الآخرة باق . وقيل : لو ملكها وأنفقها في أمور الآخرة ( ولمقام أحدكم ) : بفتح الميم ; أي لوقوفه وثباته ( في الصف ) : أي : صف القتال ، أو صف الجماعة ( خير من صلاته ) : أي : على انفراده ( ستين سنة ) : أراد به التكثير ، فلا ينافي ما ورد من رواية سبعين . ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية