الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2737 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأمرت بقرية تأكل القرى . يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


2737 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت ) أي في الهجرة ( بقرية ) أي بنزولها أو استيطانها ( تأكل القرى ) أي تغلبها وتظهر عليها ، والمعنى يغلب أهلها وهم الأنصار بالإسلام على غيرها من قرى والأنصار ، وفي الفائق أي يفتح أهلها القرى ويقتسمون أموالها ، فجعل ذلك أكلا منها للقرى على سبيل التمثيل ، ويجوز أن يكون تفضيلا لها على القرى كقولهم : هذا حديث يأكل الأحاديث أي يفضلها ، ومن اللطائف الواقعة في زماننا أن شخصا جاوب القصيدة البردة بشعر سخيف ، ونظم ضعيف ، وكان قرأ قصيدته ويمدحها في أثناء قراءته ويقول : هذا البيت يبلع البردة ، وكان واحد من الظرفاء حاضرا في المجلس فلما أكثر من قوله هذا يبلع . [ ص: 1880 ] البردة قال : يا فلان إنا لم نرد البالوعة ، فخجل الشاعر وبهت الفاجر وقال بعضهم أصل الأكل للشيء الإفناء له ثم استعير لافتتاح البلاد وسلب الأموال ، فكأنه قال يأكل أهلها القرى ، أو أضاف الأكل إليها لأن أموال تلك البلاد تجمع إليها وتفنى فيها ( يقولون ) أي الناس من أهل القرى لها ( يثرب ) أو هي يثرب ( وهي المدينة ) أي يسمونها هذا الاسم والاسم الذي تستحقه هو المدينة لدلالتها على التعظيم ، وأما التثريب فهو اللوم والتوبيخ قال - تعالى - حكاية لا تثريب عليكم اليوم ( تنفي الناس ) أي الخبيثين ( كما ينفي الكير خبث الحديد ) قال بعض الشراح يثرب من أسماء المدن ، وقيل هو اسم أرضها سميت باسم رجل من العمالقة كان أول من نزلها وبه كانت تسمى قبل الاسم ، فلما هاجر النبي غير هذا الاسم فقال بل هي طابة ، وجعل المدينة مكانها وكأنه كره هذا الاسم لما يئول إليه من التثريب أو لغير ذلك أي من أنه اسم رجل من العمالقة ولذلك قال يقولون يثرب وهي المدينة ; أي الاسم الحقيقي بأن تدعى به هي المدينة فإنها يليق بأن تتخذ دار إقامة من مدن بالمكان إذا أقام به ، تنفي الناس أي شرارهم وهمجهم ، يدل عليه التشبيه بالكير فإنه ينفي خبث الحديد وهو بفتح الخاء والباء وبالمثلثة رديئه ، ثم كور الحداد بضم الكاف توقد النار من الطين والكير زقه الذي ينفخ فيه ، والمراد ما بني من الطين اهـ . قال النووي - رحمه الله - قد حكي عن عيسى بن دينار : أن من سماها يثرب كتب عليه خطيئة ، وأما تسميتها في القرآن بيثرب فهي حكاية قول المنافقين الذين في قلوبهم مرض ( متفق عليه ) .

وقد حكي عن بعض السلف تحريم تسمية المدينة بيثرب ، ويؤيده ما رواه أحمد عن البراء مرفوعا : من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله ، هي طابة هي طابة قال الطيبي - رحمه الله - فظهر من هذا أن من يحقر شأن ما عظمه الله ومن وصف ما سماه الله بالإيمان بما لا يليق به ; يستحق أن يسمى عاصيا ، بل هو كافر وتعقبه ابن حجر بما لا طائل تحته ، وقال في الفائق : أسند تسميتها بيثرب إلى الناس تحاشيا عن معنى التثريب ، وكان يسميها طابة وطيبة ويقولون صفة للقرية والراجع منها إليها محذوف ، والأصل يقولون لها .




الخدمات العلمية