الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
71 - وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه يفتنون الناس ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا ، وكذا فيقول : ما صنعت شيئا . قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته . قال : فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت " قال الأعمش : أراه قال : " فيلتزمه " رواه مسلم .

التالي السابق


71 - ( وعن جابر ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن إبليس يضع عرشه ) أي : سريره ( على الماء ) : وفي رواية : على البحر ، والصحيح حمله على ظاهره ، ويكون من جملة تمرده ، وطغيانه وضع عرشه على الماء يعني جعله الله تعالى قادرا عليه استدراجا ليغتر بأن له عرشا على هيئة عرش الرحمن كما في قوله تعالى : ( وكان عرشه على الماء ) ويغر بعض السالكين الجاهلين بالله أنه الرحمن كما وقع لبعض الصوفية على ما ذكر في النفحات الأنسية في الحضرات القدسية ، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرى عرشا على الماء فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( ترى عرش إبليس ) ، وقيل : عبر عن استيلائه على الخلق ، وتسلطه على إضلالهم بهذه العبارة ( ثم يبعث ) أي : يرسل ( سراياه ) : جمع سرية ، وهي قطعة من الجيش توجه نحو العدو لتنال منه ، وفي النهاية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وسموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري ، وهو النفيس ، وقيل : لأنهم يبعثون سرا ورد بأن لامه راء ، ولامها ياء ( يفتنون الناس ) : بفتح الياء ، وكسر التاء أي : يضلونهم ، أو يمتحنوهم بتزيين المعاصي إليهم حتى يقعوا فيها ( فأدناهم ) أي : أقربهم ( منه ) أي : من إبليس ( منزلة ) : مرتبة ( أعظمهم فتنة ) أي : أكبرهم إضلالا ، أو أشدهم ابتلاء ( يجيء أحدهم ) : جملة مبينة لقوله : أعظمهم فتنة ( فيقول ) أي : أحدهم ( فعلت كذا ، وكذا ) أي : أمرت بالسرقة ، وشرب الخمر مثلا ( فيقول ) أي : إبليس ( ما صنعت شيئا ) أي : أمرا كبيرا ، أو شيئا معتدا به ( قال ) أي : النبي ( ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته ) أي : فلانا ( حتى فرقت بينه وبين امرأته ) : هذا ، وإن كان بحسب الظاهر أمرا مباحا ، وظاهره خير ، ولذا قال [ ص: 142 ] تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، ولكنه من حيث إنه قد يجر إلى المفاسد يصير مذموما ، ويحث عليه الشياطين ، ويفرح به كبيرهم ، ولذا قال - عليه الصلاة والسلام - : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) .

وقال تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ( قال ) : عليه الصلاة والسلام - ( فيدنيه منه ) أي : فيقرب إبليس ذلك المغوي من نفسه من الإدناء ، وهو التقريب ( فيقول ) : وفي نسخة صحيحة ، ويقول أي : إبليس للمغوي ( نعم أنت ) أي : نعم الولد ، أو العون أنت على أنه فعل مدح ، وفاعله مضمر على خلاف القياس ، وقيل : حرف إيجاب ، وأنت مبتدأ خبره محذوف أي : أنت صنعت شيئا عظيما ، وقول ابن الملك هو الصواب هو الخطأ ؛ لأنه مخالف للنسخ المصححة الدالة على الرواية مع احتياجه إلى التكلف ، والتعسف في توجيه صحة الدراية ، ( قال الأعمش ) : وهو أحد رواة هذا الحديث ( أراه ) : بضم أوله أي : أظن أبا سفيان طلحة بن نافع المكي ، وهو الراوي عن جابر كذا في الأزهار نقله السيد جمال الدين ، وقال الطيبي : ضمير الفاعل للأعمش ، وضمير المفعول لجابر ، وقيل : أظن النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وهو الظاهر من قوله ( قال : فيلتزمه ) : فإنه إما عطف على فيدنيه ، أو بدل منه كذا قيل ، والأقرب أنه عطف على فيقول ، والله أعلم ، والمعنى فيعانقه من غاية حبه التفريق بين الزوجين ، وذلك ؛ لأنه محب كثرة الزنا ، وغلبة أولاد الزنا ليفسدوا في الأرض ، ويهتكوا حدود الشرع ، ومن ثم ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدخل الجنة ولد زانية ) . رواه الدارمي في سننه ؛ لأن ولد الزنا يعسر عليه اكتساب الفضائل ، ويتيسر له أخلاق الرذائل ( رواه مسلم ) : وكذا أحمد .




الخدمات العلمية