الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الاستنجاء بالحجارة

                                                                                                                                                                                                        154 حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو المكي عن جده عن أبي هريرة قال اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال ابغني أحجارا أستنفض بها أو نحوه ولا تأتني بعظم ولا روث فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه فلما قضى أتبعه بهن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الاستنجاء : بالحجارة ) أراد بهذه الترجمة الرد على من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء . والدلالة على ذلك من قوله " أستنفض " فإن معناه أستنجي كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا أحمد بن محمد المكي ) هو أبو الوليد الأزرقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة ، وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس ، وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه ، وإنما روى عن أبي الوليد ، ووهم أيضا من جعلهما واحدا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن جده ) يعني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي ، وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي ، وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان ، فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة ، وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها ، ففي الإسناد مكيان ومدنيان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اتبعت ) بتشديد التاء المثناة ، أي : سرت وراءه ، والواو في قوله " وخرج " حالية وفي قوله " وكان " استئنافية ، وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فدنوت منه ) زاد الإسماعيلي " أستأنس وأتنحنح ، فقال : من هذا ؟ فقلت : أبو هريرة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابغني ) بالوصل من الثلاثي أي : اطلب لي ، يقال : بغيتك الشيء أي : طلبته لك . وفي رواية بالقطع أي : أعني على الطلب ، يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه ، والوصل أليق بالسياق ، ويؤيده رواية الإسماعيلي ائتني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أستنفض ) بفاء مكسورة وضاد معجمة ، مجزوم لأنه جواب الأمر ، ويجوز الرفع على الاستئناف ، قال القزاز : قوله أستنفض أستفعل من النفض وهو أن تهز الشيء ليطير غباره ، قال : وهذا موضع أستنظف ، أي : بتقديم الظاء المشالة على الفاء ، ولكن كذا روي ، انتهى . والذي وقع في الرواية صواب [ ص: 308 ] ففي القاموس استنفضه استخرجه ، وبالحجر استنجى ، وهو مأخوذ من كلام المطرزي قال : الاستنفاض الاستخراج ، ويكنى به عن الاستنجاء ، ومن رواه بالقاف والصاد المهملة فقد صحف ، انتهى . ووقع في رواية الإسماعيلي " أستنجي " بدل أستنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه ، ويكون التردد من بعض رواته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا تأتني ) كأنه - صلى الله عليه وسلم - خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله " أستنجي " أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار ، فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ ، ولو كان ذلك مختصا بالأحجار - كما يقوله بعض الحنابلة والظاهرية - لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى ، وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها ، وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ " ما بال العظم والروث ؟ قال : هما من طعام الجن " والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما . نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى ، وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم .

                                                                                                                                                                                                        ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا ألحق به كل نجس متنجس ، وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس ، ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه ، وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأعرضت ) كذا في أكثر الروايات ، وللكشميهني " واعترضت " بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما قضى ) أي : حاجته ( أتبعه ) بهمزة قطع أي ألحقه ، وكني بذلك عن الاستنجاء . وفي الحديث جواز اتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك ، واستخدام الإمام بعض رعيته ، والإعراض عن قاضي الحاجة ، والإعانة على إحضار ما يستنجى به وإعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن التلوث . والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية