الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 558 ] القول في تأويل قوله ( والشمس والقمر حسبانا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : وجعل الشمس والقمر يجريان في أفلاكهما بحساب .

ذكر من قال ذلك :

13605 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " والشمس والقمر حسبانا " يعني : عدد الأيام والشهور والسنين .

13606 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " والشمس والقمر حسبانا " قال : يجريان إلى أجل جعل لهما .

13607 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والشمس والقمر حسبانا " يقول : بحساب .

13608 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " والشمس والقمر حسبانا " قال : الشمس والقمر في حساب ، فإذا خلت أيامهما فذاك آخر الدهر ، وأول الفزع الأكبر " ذلك تقدير العزيز العليم " .

13609 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " والشمس والقمر حسبانا " قال : يدوران في حساب .

13610 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن [ ص: 559 ] ابن جريج ، عن مجاهد : " والشمس والقمر حسبانا ، قال هو مثل قوله : كل في فلك يسبحون [ سورة يس : 40 ] ، ومثل قوله : ( الشمس والقمر بحسبان ) [ سورة الرحمن : 5 ] .

وقال آخرون : معنى ذلك : وجعل الشمس والقمر ضياء .

ذكر من قال ذلك :

13611 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والشمس والقمر حسبانا " أي ضياء .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في تأويل ذلك عندي بالصواب ، تأويل من تأوله : وجعل الشمس والقمر يجريان بحساب وعدد لبلوغ أمرهما ونهاية آجالهما ، ويدوران لمصالح الخلق التي جعلا لها .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله - تعالى ذكره - ذكر قبله أياديه عند خلقه ، وعظم سلطانه ، بفلقه الإصباح لهم ، وإخراج النبات والغراس من الحب والنوى ، وعقب ذلك بذكره خلق النجوم لهدايتهم في البر والبحر . فكان وصفه إجراءه الشمس والقمر لمنافعهم ، أشبه بهذا الموضع من ذكر إضاءتهما ، لأنه قد وصف ذلك قبل بقوله : " فالق الإصباح " فلا معنى لتكريره مرة أخرى في آية واحدة لغير معنى .

و " الحسبان " في كلام العرب جمع " حساب " كما " الشهبان " جمع شهاب . وقد قيل إن " الحسبان " في هذا الموضع مصدر من قول القائل : " حسبت الحساب أحسبه حسابا وحسبانا " . وحكي عن العرب : " على الله حسبان فلان وحسبته " أي : حسابه . [ ص: 560 ]

وأحسب أن قتادة في تأويل ذلك بمعنى الضياء ، ذهب إلى شيء يروى عن ابن عباس في قوله : أو يرسل عليها حسبانا من السماء [ سورة الكهف : 40 ] . قال : نارا ، فوجه تأويل قوله : " والشمس والقمر حسبانا " إلى ذلك التأويل . وليس هذا من ذلك المعنى في شيء .

وأما " الحسبان " بكسر " الحاء " فإنه جمع " الحسبانة " وهي الوسادة الصغيرة ، وليست من الأولين أيضا في شيء . يقال : " حسبته " أجلسته عليها .

ونصب قوله : " حسبانا " بقوله : " وجعل " .

وكان بعض البصريين يقول : معناه : " والشمس والقمر حسبانا " أي : بحساب ، فحذف " الباء " كما حذفها من قوله : " هو أعلم من يضل عن سبيله " [ سورة الأنعام : 117 ] ، أي : أعلم بمن يضل عن سبيله .

التالي السابق


الخدمات العلمية