الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 516 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ( 37 ) والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ( 38 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ودليل لهم أيضا على قدرة الله على فعل كل ما شاء ( الليل نسلخ منه النهار ) يقول : ننزع عنه النهار . ومعنى " منه " في هذا الموضع : عنه ، كأنه قيل : نسلخ عنه النهار ، فنأتي بالظلمة ونذهب بالنهار . ومنه قوله ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) أي : خرج منها وتركها ، فكذلك انسلاخ الليل من النهار . وقوله ( فإذا هم مظلمون ) يقول : فإذا هم قد صاروا في ظلمة بمجيء الليل .

وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ) قال : يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، وهذا الذي قاله قتادة في ذلك عندي ، من معنى سلخ النهار من الليل ، بعيد ، وذلك أن إيلاج الليل في النهار ، إنما هو زيادة ما نقص من ساعات هذا في ساعات الآخر ، وليس السلخ من ذلك في شيء ، لأن النهار يسلخ من الليل كله ، وكذلك الليل من النهار كله ، وليس يولج كل الليل في كل النهار ، ولا كل النهار في كل الليل .

وقوله ( والشمس تجري لمستقر لها ) يقول - تعالى ذكره - : والشمس تجري لموضع قرارها ، بمعنى : إلى موضع قرارها ; وبذلك جاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا جابر بن نوح قال : ثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر الغفاري قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله [ ص: 517 ] عليه وسلم في المسجد ، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذر هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربها ، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مكانها وذلك مستقرها " .

وقال بعضهم في ذلك بما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( والشمس تجري لمستقر لها ) قال : وقت واحد لا تعدوه .

وقال آخرون : معنى ذلك : تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها ، بمعنى : أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع ولا تجاوزه . قالوا : وذلك أنها لا تزال تتقدم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع .

وقوله ( ذلك تقدير العزيز العليم ) يقول : هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها ، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بمصالح خلقه ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يخفى عليه خافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية