الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( 8 ) ) [ ص: 354 ]

يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل هؤلاء الذين كفروا به وأنكروا البعث بعد الممات بعضهم لبعض معجبين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وعده إياهم ذلك : أفترى - هذا الذي يعدنا أنا بعد أن نمزق كل ممزق في خلق جديد - على الله كذبا ، فتخلق عليه بذلك باطلا من القول وتخرص عليه قول الزور ( أم به جنة ) يقول : أم هو مجنون فيتكلم بما لا معنى له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قالوا تكذيبا ( أفترى على الله كذبا ، ) قال : قالوا : إما أن يكون يكذب على الله ( أم به جنة ) وإما أن يكون مجنونا ( بل الذين لا يؤمنون . . . ) الآية .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ثم قال بعضهم لبعض ( أفترى على الله كذبا أم به جنة ) الرجل مجنون فيتكلم بما لا يعقل . فقال الله ( الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) .

وقوله ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) يقول - تعالى ذكره - : ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد - صلى الله عليه وسلم - وظنوا به من أنه افترى على الله كذبا ، أو أن به جنة ، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرة من هؤلاء المشركين في عذاب الله في الآخرة وفي الذهاب البعيد عن طريق الحق وقصد السبيل فهم من أجل ذلك يقولون فيه ما يقولون .

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قال : الله ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) وأمره أن يحلف لهم ليعتبروا ، وقرأ ( قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن . . . ) الآية كلها وقرأ ( قل بلى وربي لتأتينكم ) . وقطعت الألف من قوله ( أفترى على الله ) في القطع والوصل ، ففتحت لأنها ألف استفهام . فأما الألف التي بعدها التي [ ص: 355 ] هي ألف افتعل فإنها ذهبت لأنها خفيفة زائدة تسقط في اتصال الكلام ، ونظيرها ( سواء عليهم أستغفرت لهم ) و ( بيدي أستكبرت ) و ( أصطفى البنات ) وما أشبه ذلك . وأما ألف ( آلآن ) و ( آلذكرين ) فطولت هذه ، ولم تطول تلك ؛ لأن آلآن وآلذكرين كانت مفتوحة فلو أسقطت لم يكن بين الاستفهام والخبر فرق فجعل التطويل فيها فرقا بين الاستفهام والخبر ، وألف الاستفهام مفتوحة فكانتا مفترقتين بذلك فأغنى ذلك دلالة على الفرق من التطويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية