الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما الفصل الرابع وهو الكلام في الحجب فنقول الأم تحجب الجدات أجمع بالاتفاق سواء كانت من قبلها ، أو من قبل الأب لما روي { أن النبي عليه السلام أطعم الجدة السدس حين لم يكن هناك أم } ففي هذا إشارة إلى أنها لا ترث مع الأم ، وفي رواية بلال بن الحارث رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس حين لم يكن هناك أم دونها } فهذا يفيد ما أفاده الأول وزيادة وهو أن البعدى لا ترث مع القربى فإن قوله أم دونها إشارة إلى ذلك والمعنى فيه أن الجدة ترث بالأمومة وفرض الأمهات معلوم بالنص ، وقد استحقت الأم ذلك فلا يبقى لأحد من الجدات شيء من فرض الأمهات ، ولا تثبت المزاحمة بين شيء من الجدات وبين الأم لأن الجدة التي من قبلها تدلي بها وترث بمثل سببها فلا تزاحمهما كما لا يزاحم الجد الأب والتي من قبل الأب ، وإن كانت لا تدلي بها فهي لا تزاحمها في فريضتها لكونها أقرب إلى الميت منها وهي بمنزلة ابنة الابن مع الابنتين فإن فرض البنات لما صار مستحقا للابنتين لم يكن لابنة الابن معهما مزاحمة ، ولا شيء من الميراث بالفريضة ، وإن كانت لا تدلي بهما إنما تدلي بالابن واختلفوا في حجب الجدة بالأب بعد ما اتفقوا أن الجدة من قبل الأم لا تصير محجوبة بالأب لأنها تدلي به ، ولا ترث بمثل نسبه فهي ترث بالأمومة وهو بالأبوة والعصوبة واختلفوا في الجدة التي من قبله فقال علي وزيد وأبي بن كعب وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم لا ترث أم الأب مع الأب شيئا وهو اختيار الشعبي وطاوس وهو مذهب علمائنا رحمهم الله وقال عمر وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وعمران بن الحصين ترث أم الأب مع الأب وهو اختيار شريح وابن سيرين وبه أخذ مالك والشافعي واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس وابنها حي } وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أم حسكة رضي الله عنها السدس من أبي حسكة وحسكة حي } والمعنى فيه ما بينا أن إرث الجدات ليس باعتبار الإدلاء فالإدلاء بالأنثى لا يؤثر في استحقاق شيء من فريضتها ، ولا في القيام مقامها في التوريث بمثل سببها كالبنات والأخوات ، ولكن الاستحقاق باسم الجدة في هذا الاسم أم الأم وأم الأب سواء . فإذا كان الأب لا يحجب أم الأم . فكذلك لا يحجب أم الأب إذ لا فرق بينهما إلا في معنى الإدلاء والاستحقاق ليس بالإدلاء .

ولو كان الأب ممن يحجب شيئا من الجدات لاستوى في [ ص: 170 ] ذلك من يكون في جانبه ومن لا يكون في جانبه كالأم وجه قولنا أن استحقاق الميراث لا بد فيه من اعتبار الإدلاء ما بينا أن مجرد الاسم بدون القرابة لا يوجب الاستحقاق والقرابة لا تثبت بدون اعتبار الإدلاء فهنا معينان أحدهما إيجاد السبب والآخر الإدلاء ولكل واحد منهما تأثير في الحجب ، ثم إيجاد السبب وإن انفرد عن الأدلاء تعلق به حكم الحجب كما في حق بنات الابن مع الابنتين فإنهن يحجبن بإيجاد السبب ولا يدلين إلى الميت بالبنات . فكذلك الأدلاء ، وإن انفرد عن إيجاد السبب يتعلق به حكم الحجب إذا تقرر هذا قلنا الجدة التي من قبل الأب تدلي بالأب ، ولا ترث معه لوجود الإدلاء ، وإن انعدم معنى إيجاد السبب والجدة التي من قبل الأم ترث مع الأب لانعدام الإدلاء وإيجاد السبب جميعا . فأما الأم تحجب الجدة التي من قبلها لوجود الإدلاء وإيجاد السبب وتحجب الجدة التي من قبل الأب لإيجاد السبب ، وإن انعدم الإدلاء وبه فارق الأخ لأم فكان وارثا معها يوضحه أن معنى الإدلاء الموجود في جانب الأب يحجب الذكر هنا فإن أب الأب يحجبه الأب لأنه يدلي به . فإذا كان الأب يحجب من يدلي به إذا كان ذكرا . فكذلك يحجب من يدلي به إذا كان أنثى .

( ألا ترى ) أن الأب كما يحجب الإخوة يحجب الأخوات وبه فارق الأم مع الإخوة لأم لأن هناك الذكر من الإخوة لا يصير محجوبا بها ، وإن كان يدلي بها . فكذلك الأنثى . فأما تأويل الحديث يحتمل أن ابنها كان رقيقا ، أو كافرا على أنه قال ورث جدة وابنها حي ولم يتبين أن ابنها أب الميت فيحتمل أن ابنها الحي غير أب الميت والحديث حكاية حال وحديث حسكة لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو عن عمر رضي الله عنه ، وقد بينا مذهب عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية