الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو موسى الأشعري ( ع )

                                                                                      عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب ، الإمام الكبير [ ص: 381 ] صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ .

                                                                                      حدث عنه : بريدة بن الحصيب ، وأبو أمامة الباهلي ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وطارق بن شهاب ، وسعيد بن المسيب ، والأسود بن يزيد ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وزيد بن وهب ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو عبد الرحمن النهدي ، ومرذة الطيب ، وربعي بن حراش ، وزهدم بن مضرب ، وخلق سواهم .

                                                                                      وهو معدود فيمن قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم- . أقرأ أهل البصرة ، وفقههم في الدين . قرأ عليه حطان بن عبد الله الرقاشي ، وأبو رجاء العطاردي .

                                                                                      ففي " الصحيحين " ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما .

                                                                                      وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- ومعاذا على زبيد ، وعدن . وولي إمرة الكوفة [ ص: 382 ] لعمر ، وإمرة البصرة . وقدم ليالي فتح خيبر ، وغزا ، وجاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم- وحمل عنه علما كثيرا .

                                                                                      قال سعيد بن عبد العزيز : حدثني أبو يوسف ، حاجب معاوية : أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية ، فنزل في بعض الدور بدمشق ، فخرج معاوية من الليل ليستمع قراءته .

                                                                                      قال أبو عبيد : أم أبي موسى هي ظبية بنت وهب ; كانت أسلمت ، وماتت بالمدينة .

                                                                                      وقال ابن سعد : حدثنا الهيثم بن عدي ، قال : أسلم أبو موسى بمكة ، وهاجر إلى الحبشة . وأول مشاهده خيبر . ومات سنة اثنتين وأربعين .

                                                                                      قال أبو أحمد الحاكم : أسلم بمكة ، ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث ، فقسم لهم النبي ، صلى الله عليه وسلم . ولي البصرة لعمر وعثمان ; وولي الكوفة ، وبها مات . [ ص: 383 ]

                                                                                      وقال ابن منده : افتتح أصبهان زمن عمر .

                                                                                      وقال العجلي : بعثه عمر أميرا على البصرة ; فأقرأهم وفقههم ، وهو فتح تستر . ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتا منه .

                                                                                      قال حسين المعلم : سمعت ابن بريدة يقول : كان الأشعري قصيرا ، أثط ، خفيف الجسم .

                                                                                      وأما الواقدي فقال : حدثنا خالد بن إلياس ، عن أبي بكر بن أبي جهم ، قال : ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة ، ولا حلف له في قريش ، وقد كان أسلم بمكة ، ورجع إلى أرضه ; حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وذكره موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة .

                                                                                      وروى أبو بردة ، عن أبي موسى ، قال : خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي ، ونحن ثلاثة إخوة : أنا ، وأبو رهم ، وأبو عامر . فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي ، وعنده جعفر وأصحابه ; فأقبلنا حين افتتحت [ ص: 384 ] خيبر ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لكم الهجرة مرتين : هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إلي .

                                                                                      وفي رواية : أنا وأخواي : أبو رهم ، وأبو بردة ، أنا أصغرهم .

                                                                                      أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يقدم عليكم غدا قوم هم أرق قلوبا للإسلام منكم ، فقدم الأشعريون ; فلما دنوا جعلوا يرتجزون :

                                                                                      غدا نلقى الأحبه محمدا وحزبه



                                                                                      فلما أن قدموا تصافحوا ، فكانوا أول من أحدث المصافحة .

                                                                                      شعبة ، عن سماك ، عن عياض الأشعري ، قال : لما نزلت : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : هم قومك يا أبا موسى ، وأومأ إليه .

                                                                                      صححه الحاكم . والأظهر : أن لعياض بن عمرو صحبة ، ولكن رواه جماعة عن شعبة أيضا . ( ح ) وعبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، كلاهما عن سماك ، عن عياض ، عن أبي موسى .

                                                                                      بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حنين ، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس ، فلقي دريد بن [ ص: 385 ] الصمة ، فقتل دريد ، وهزم الله أصحابه ; فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم ، فأثبته . فقلت : يا عم ، من رماك ؟ فأشار إليه . فقصدت له ، فلحقته ، فلما رآني ، ولى ذاهبا . فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربيا ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف ، فالتقيت أنا وهو ، فاختلفنا ضربتين ، فقتلته . ثم رجعت إلى أبي عامر ، فقلت : قد قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم . فنزعته ، فنزا منه الماء . فقال : يابن أخي ، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأقره مني السلام ، وقل له : يستغفر لي . واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ، ثم مات . فلما قدمنا ، وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم- توضأ ، ثم رفع يديه ، ثم قال " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " ، حتى رأيت بياض إبطيه . ثم قال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما .

                                                                                      وبه ، عن أبي موسى ، قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة فأتى أعرابي فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ قال : أبشر . قال : قد أكثرت من البشرى . فأقبل رسول الله علي وعلى بلال ، فقال : إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما ، فقالا : قبلنا يا رسول الله . فدعا بقدح ، فغسل يديه [ ص: 386 ] ووجهه فيه ، ومج فيه ، ثم قال : اشربا منه ، وأفرغا على رءوسكما ونحوركما ، ففعلا . فنادت أم سلمة من وراء الستر : أن فضلا لأمكما . فأفضلا لها منه .

                                                                                      مالك بن مغول وغيره ، عن ابن بريدة عن أبيه ، قال : خرجت ليلة من المسجد ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم- عند باب المسجد قائم ، وإذا رجل يصلي ، فقال لي : يا بريدة ، أتراه يرائي ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : بل هو مؤمن منيب ، لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود . فأتيته ، فإذا هو أبو موسى ; فأخبرته .

                                                                                      أنبئونا عن أحمد بن محمد اللبان وغيره : أن أبا علي الحداد أخبرهم : أخبرنا أبو نعيم : أخبرنا ابن فارس : حدثنا محمد بن عاصم : حدثنا زيد بن الحباب ، عن مالك بن مغول : حدثنا ابن بريدة ، عن أبيه قال : جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد ، وأنا على باب المسجد ، فأخذ بيدي ، فأدخلني المسجد ، فإذا رجل يصلي يدعو ، يقول : اللهم ، إني أسألك ، بأني أشهد أنك الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .

                                                                                      قال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ، وإذا رجل يقرأ ، فقال : لقد أعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود . قلت : يا رسول الله ، أخبره ؟ قال : نعم ، فأخبرته . فقال لي : لا تزال لي صديقا . وإذا هو أبو موسى
                                                                                      . [ ص: 387 ]

                                                                                      رواه حسين بن واقد ، عن ابن بريدة ، مختصرا .

                                                                                      وروى أبو سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : لقد أعطي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود .

                                                                                      خالد بن نافع : حدثنا سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعائشة مرا به ، وهو يقرأ في بيته ، فاستمعا لقراءته ، فلما أصبح ، أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : لو أعلم بمكانك لحبرته لك تحبيرا .

                                                                                      خالد ضعف . [ ص: 388 ]

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن أبا موسى قرأ ليلة ، فقمن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- يستمعن لقراءته . فلما أصبح ، أخبر بذلك . فقال : لو علمت ، لحبرت تحبيرا ، ولشوقت تشويقا .

                                                                                      الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : أتينا عليا ، فسألناه عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- قال : عن أيهم تسألوني ؟ قلنا : عن ابن مسعود . قال : علم القرآن والسنة ، ثم انتهى ، وكفى به علما . قلنا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه . قلنا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين . قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ; بحر لا يدرك قعره ، وهو منا أهل البيت . قالوا : أبو ذر ؟ قال : وعى علما عجز عنه . فسئل عن نفسه . قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت .

                                                                                      أبو إسحاق : سمع الأسود بن يزيد ، قال : لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى .

                                                                                      وقال مسروق : كان القضاء في الصحابة إلى ستة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي ، وزيد ، وأبي موسى . [ ص: 389 ]

                                                                                      وقال الشعبي : يؤخذ العلم عن ستة : عمر ، وعبد الله ، وزيد ، يشبه علمهم بعضه بعضا ، وكان علي ، وأبي ، وأبو موسى يشبه علمهم بعضه بعضا ، يقتبس بعضهم من بعض .

                                                                                      وقال داود ، عن الشعبي : قضاة الأمة : عمر ، وعلي ، وزيد ، وأبو موسى .

                                                                                      أسامة بن زيد ، عن صفوان بن سليم قال : لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غير هؤلاء : عمر ، وعلي ، ومعاذ ، وأبي موسى .

                                                                                      قال أبو بردة : قال : إني تعلمت المعجم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- فكانت كتابتي مثل العقارب .

                                                                                      أيوب ، عن محمد ، قال عمر : بالشام أربعون رجلا ، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه ، فأرسل إليهم . فجاء رهط ، فيهم أبو موسى . فقال : إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم . قال : فلا ترسلني . قال : إن بها جهادا ورباطا . فأرسله إلى البصرة .

                                                                                      قال الحسن البصري : ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى .

                                                                                      قال ابن شوذب : كان أبو موسى إذا صلى الصبح ، استقبل الصفوف رجلا رجلا يقرئهم . ودخل البصرة على جمل أورق ، وعليه خرج لما [ ص: 390 ] عزل .

                                                                                      قتادة ، عن أنس : بعثني الأشعري إلى عمر ، فقال لي : كيف تركت الأشعري ؟ قلت : تركته يعلم الناس القرآن . فقال : أما إنه كيس ! ولا تسمعها إياه .

                                                                                      قال أبو بردة : كتبت عن أبي أحاديث ، ففطن بي ، فمحاها ، وقال : خذ كما أخذنا .

                                                                                      أبو هلال ، عن قتادة ، قال : بلغ أبا موسى أن ناسا يمنعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب ، فخرج على الناس في عباءة .

                                                                                      قال الزهري : استخلف عثمان ، فنزع أبا موسى عن البصرة ، وأمر عليها عبد الله بن عامر بن كريز .

                                                                                      قال خليفة : ولي أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة بعد المغيرة ، فلما افتتح الأهواز استخلف عمران بن حصين بالبصرة . ويقال : افتتحها صلحا ، فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف ، وأربع مائة ألف . [ ص: 391 ]

                                                                                      وقيل : في سنة ثمان عشرة ، افتتح أبو موسى الرها وسميساط وما والاها عنوة .

                                                                                      زهير بن معاوية : حدثنا حميد : حدثنا أنس : أن الهرمزان نزل على حكم عمر من تستر ، فبعث به أبو موسى معي إلى أمير المؤمنين ; فقدمت به . فقال له عمر : تكلم ، لا بأس عليك . فاستحياه ثم أسلم ، وفرض له .

                                                                                      قال ابن إسحاق : سار أبو موسى من نهاوند ، ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين .

                                                                                      مجالد ، عن الشعبي قال : كتب عمر في وصيته : ألا يقر لي عامل أكثر من سنة ، وأقروا الأشعري أربع سنين .

                                                                                      حميد بن هلال ، عن أبي بردة : سمعت أبي يقسم : ما خرج حين نزع عن البصرة إلا بست مائة درهم .

                                                                                      الزهري ، عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ، ربما قال له ، ذكرنا يا أبا موسى . فيقرأ . [ ص: 392 ]

                                                                                      وفي رواية تفرد بها رشدين بن سعد : فيقرأ ، ويتلاحن .

                                                                                      وقال ثابت ، عن أنس : قدمنا البصرة مع أبي موسى ، فقام من الليل يتهجد ، فلما أصبح ، قيل له : أصلح الله الأمير! لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك . فقال : لو علمت لزينت كتاب الله بصوتي ، ولحبرته تحبيرا .

                                                                                      قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ; إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة ، من حسن صوته .

                                                                                      هشام بن حسان ، عن واصل مولى أبي عيينة ، عن لقيط ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : غزونا في البحر ، فسرنا حتى إذا كنا في لجة البحر ، سمعنا مناديا ينادي : يا أهل السفينة ، قفوا أخبركم . فقمت ، فنظرت يمينا وشمالا ، فلم أر شيئا . حتى نادى سبع مرار . فقلت : ألا ترى في أي مكان نحن ، إنا لا نستطيع أن نقف . فقال : ألا أخبرك بقضاء قضى الله على نفسه : إنه من عطش نفسه لله في يوم حار ، كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة . قال : وكان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا [ ص: 393 ] صائما .

                                                                                      ورواه ابن المبارك في " الزهد " : حدثنا حماد بن سلمة ، عن واصل .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : خرجنا مع أبي موسى في غزاة ، فجننا الليل في بستان خرب ; فقام أبو موسى يصلي ، وقرأ قراءة حسنة ، وقال : اللهم ، أنت المؤمن تحب المؤمن ، وأنت المهيمن تحب المهيمن ، وأنت السلام تحب السلام .

                                                                                      وروى صالح بن موسى الطلحي ، عن أبيه ، قال : اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا ، فقيل له : لو أمسكت ورفقت بنفسك ؟ قال : إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها ، أخرجت جميع ما عندها ; والذي بقي من أجلي أقل من ذلك .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه مخافة أن يتكشف .

                                                                                      الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنا مع حذيفة جلوسا ، فدخل عبد الله [ ص: 394 ] وأبو موسى المسجد فقال : أحدهما منافق ، ثم قال : إن أشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله .

                                                                                      قلت : ما أدري ما وجه هذا القول ، سمعه عبد الله بن نمير منه ، ثم يقول الأعمش : حدثناهم بغضب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فاتخذوه دينا .

                                                                                      قال عبد الله بن إدريس : كان الأعمش به ديانة من خشيته .

                                                                                      قلت : رمي الأعمش بيسير تشيع فما أدري .

                                                                                      ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى - رضي الله عنه - لكونه ما قاتل مع علي ، ثم لما حكمه علي على نفسه عزله وعزل معاوية ، وأشار بابن عمر ، فما انتظم من ذلك حال .

                                                                                      قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثنا عيسى بن علقمة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قلت لعلي يوم [ ص: 395 ] الحكمين : لا تحكم الأشعري ; فإن معه رجلا حذرا مرسا قارحا . فلزني إلى جنبه ، فلا يحل عقدة إلا عقدتها ، ولا يعقد عقدة إلا حللتها . قال : يا ابن عباس ، ما أصنع ؟ إنما أوتى من أصحابي ، قد ضعفت نيتهم ، وكلوا . هذا الأشعث يقول : لا يكون فيها مضريان أبدا ، حتى يكون أحدهما يمان . قال ابن عباس : فعذرته ، وعرفت أنه مضطهد .

                                                                                      وعن عكرمة ، قال : حكم معاوية عمرا ، فقال الأحنف لعلي : حكم ابن عباس ، فإنه رجل مجرب . قال : أفعل . فأبت اليمانية ، وقالوا : حتى يكون منا رجل . فجاء ابن عباس إلى علي ، فقال : علام تحكم أبا موسى ، لقد عرفت رأيه فينا ، فوالله ما نصرنا ; وهو يرجو ما نحن فيه ; فتدخله الآن في معاقد أمرنا ، مع أنه ليس بصاحب ذلك فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو ، فاجعل الأحنف بن قيس ; فإنه مجرب من العرب ، وهو قرن لعمرو . فقال : نعم . فأبت اليمانية أيضا . فلما غلب ، جعل أبا موسى .

                                                                                      قال أبو صالح السمان : قال علي : يا أبا موسى ، احكم ولو على حز [ ص: 396 ] عنقي .

                                                                                      زيد بن الحباب : حدثنا سليمان بن المغيرة البكري ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى : أن معاوية كتب إليه : أما بعد : فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد ، وأقسم بالله ، لئن بايعتني على الذي بايعني ، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة ، والآخر على البصرة ; ولا يغلق دونك باب ، ولا تقضى دونك حاجة . وقد كتبت إليك بخطي ، فاكتب إلي بخط يدك .

                                                                                      فكتب إليه : أما بعد : فإنك كتبت إلي في جسيم أمر الأمة ، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه ، ليس لي فيما عرضت من حاجة ، والسلام عليك .

                                                                                      قال أبو بردة : فلما ولي معاوية أتيته ، فما أغلق دوني بابا ، ولا كانت لي حاجة إلا قضيت .

                                                                                      قلت : قد كان أبو موسى صواما قواما ربانيا زاهدا عابدا ، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر ، لم تغيره الإمارة ، ولا اغتر بالدنيا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية