الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 413 ] الطبقة السادسة من التابعين

                                                                                      ابن أبي عروبة

                                                                                      سعيد بن أبي عروبة ، الإمام ، الحافظ عالم أهل البصرة ، وأول من صنف السنن النبوية ، أبو النضر بن مهران العدوي ، مولاهم البصري .

                                                                                      حدث عن الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وأبي رجاء العطاردي ، والنضر بن أنس وعبد الله الداناج ، وقتادة ، وأبي نضرة العبدي ، ومطر الوراق ، وخلق سواهم . وكان من بحور العلم إلا أنه تغير حفظه لما شاخ . وأكبر شيخ له هو أبو رجاء .

                                                                                      حدث عنه : شعبة ، والثوري ، ويزيد بن زريع ، وروح بن عبادة ، والنضر بن شميل ، وبشر بن المفضل ، وإسماعيل ابن علية ، ويحيى بن سعيد القطان ، وخالد بن الحارث ، ومحمد بن جعفر غندر ، وأبو عاصم النبيل ، وسعيد بن عامر الضبعي ، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف راوي كتبه ، ومحمد بن بكر البرساني ، ويزيد بن هارون ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وخلق سواهم . وثقه يحيى بن معين ، والنسائي ، وجماعة . قال يزيد بن زريع : سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول : من لم يسمع الاختلاف ، فلا تعده عالما . قال أحمد بن حنبل : لم يكن لسعيد كتاب ، إنما كان يحفظ ذلك كله . وقال يحيى [ ص: 414 ] بن معين : أثبت الناس في قتادة : سعيد ، وهشام الدستوائي ، وشعبة .

                                                                                      قال أبو عوانة : لم يكن عندنا في ذلك الزمان أحد أحفظ من سعيد بن أبي عروبة . وقال حفص بن عبد الرحمن النيسابوري : قال لي سعيد بن أبي عروبة : إذا رويت عني ، فقل : حدثنا سعيد الأعرج ، عن قتادة الأعمى ، عن الحسن الأحدب . قلت : لم نسمع بأن الحسن البصري كان أحدب إلا في هذه الحكاية .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : كان قتادة وسعيد يقولان بالقدر ويكتمان .

                                                                                      قلت : لعلهما تابا ورجعا عنه كما تاب شيخهما .

                                                                                      أخبرنا جماعة ، منهم شيخ الإسلام شمس الدين بن أبي عمر إجازة ، أن عمر بن محمد أخبرهم قال : أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي ، حدثنا يزيد ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن عبد الله الداناج ، عن حصين بن المنذر قال : " صلى الوليد بن عقبة أربعا وهو سكران ، ثم انفتل فقال : أزيدكم ؟ فرفع ذلك إلى عثمان ، فقال له علي : اضربه الحد ، فأمر بضربه . فقال علي للحسن : قم فاضربه . قال : فما أنت وذاك ؟ قال : إنك ضعفت ، ووهنت ، وعجزت . قم يا عبد الله بن جعفر ، فقام عبد الله بن جعفر فجعل يضربه ، وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين ، قال : كف -أو : اكفف- ثم قال : ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين ، وضرب أبو بكر أربعين ، وضرب عمر صدرا من خلافته أربعين ، وثمانين ، وكل سنة . هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم وأبو داود ، والقزويني .

                                                                                      [ ص: 415 ] روى إسحاق الكوسج عن ابن معين : ثقة . وقال أبو زرعة : ثقة مأمون . وقال أبو حاتم : ثقة قبل أن يختلط ، وكان أعلم الناس بحديث قتادة . وقال أحمد بن حنبل : من سمع منه قبل الهزيمة ، فسماعه جيد عنى هزيمة نوبة إبراهيم بن عبد الله بن حسن . وهي في شوال سنة خمس وأربعين ومائة .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : لقيت ابن أبي عروبة ، قبل الأربعين ومائة بدهر ، ورأيته سنة اثنتين وأربعين ومائة فأنكرته . وكان يحيى بن سعيد القطان يوثقه . وقال أبو نعيم : كتبت عنه بعدما اختلط حديثين . فقمت ، وتركته .

                                                                                      قال محمد بن مثنى : حدثنا الأنصاري قال : دخلت أنا وعبد الله بن سلمة الأفطس على سعيد بن أبي عروبة بعدما تغير ، فجعل ينظر في وجوهنا ولا يعرفنا .

                                                                                      محمد بن سلام الجمحي : كان ابن أبي عروبة يمزح ، وكان يحدث ، فإذا أعجبه حفظه . قال : وقال بعضهم : أتيت ابن أبي عروبة فتمارى عنده رجلان ، فبقي يغري بينهما قليلا .

                                                                                      قلت : وكان من المدلسين . قال أحمد بن حنبل : لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم ، ولا من الأعمش ، ولا من حماد ، ولا من عمرو بن دينار ، ولا من هشام بن عروة ، ولا من إسماعيل بن أبي خالد ، ولا من عبيد الله بن عمر ، ولا من أبي بشر ، ولا من ابن عقيل ، ولا من زيد بن أسلم ، ولا من عمر بن أبي سلمة ، ولا من أبي الزناد . وقد حدث عن هؤلاء ، على التدليس ، ولم [ ص: 416 ] يسمع منهم .

                                                                                      وقال أبو حفص الفلاس : سمعت يحيى القطان يقول : لم يسمع سعيد من يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولا من عبيد الله ، ولا هشام بن عروة .

                                                                                      وقال عبدة بن سليمان : سمعت من سعيد في الاختلاط .

                                                                                      وقد قال يحيى بن معين : أثبت الناس سماعا من سعيد عبدة .

                                                                                      قال الجراح بن مخلد : سمعت مسلم بن إبراهيم يقول : قال لي سعيد بن أبي عروبة : مالك خازن النار من أي حي هو ؟ قلت : هذا من قبيل المزاح .

                                                                                      عبدان الأهوازي : سمعت أصحابنا يحكون عن مسلم بن إبراهيم قال : كتبت عن سعيد التصانيف فخاصمني أبي ، فسجرت التنور وطرحتها فيه . وقال عبد الرحمن بن مهدي : سمع غندر من سعيد ، يعني في الاختلاط . وقال أبو عمر الحوضي : دخلت على سعيد بن أبي عروبة ، أريد أن أسمع منه ، فسمعت منه كلاما عجيبا . سمعته يقول :

                                                                                      الأزد أزد عريضه ذبحوا شاة مريضه     أطعموني فأبيت
                                                                                      ضربوني فبكيت

                                                                                      فعلمت أنه مختلط . فلم أسمع منه .

                                                                                      وقال يحيى القطان : سمع خالد بن الحارث من سعيد إملاء ، وكان سفيان بن حبيب عالما بشعبة وسعيد .

                                                                                      وعن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال : ليست رواية وكيع والمعافى بن عمران ، عن سعيد بشيء ، إنما سمع منه وكيع في الاختلاط . فقال لي وكيع : رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو ؟

                                                                                      وروى وهيب ، عن أيوب قال : لا يفقه رجل لا يدخل حجرة سعيد بن أبي عروبة .

                                                                                      روى محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن أبي عروبة قال : من سب عثمان افتقر .

                                                                                      [ ص: 417 ] شعيب بن إسحاق ، عن سعيد قال : أتيت ابن سيرين مع قتادة فأنشدنا بيتا .

                                                                                      قال أبو أحمد بن عدي في " كامله " : سعيد بن أبي عروبة من الثقات ، وله أصناف كثيرة ، ومن سمع منه في الاختلاط فلا يعتمد عليه . وأرواهم عنه : عبد الأعلى الشامي ، ثم شعيب بن إسحاق ، وعبدة بن سليمان ، وعبد الوهاب بن عطاء . قال : وأثبتهم فيه يزيد بن زريع ، وخالد بن الحارث ، ويحيى بن سعيد القطان . وروى جميع مصنفاته عبد الوهاب الخفاف .

                                                                                      قال عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره : مات ابن أبي عروبة في ست وخمسين ومائة .

                                                                                      قلت : توفي في عشر الثمانين ومات معه في السنة مقرئ الكوفة حمزة الزيات ، وقاضي البصرة سوار بن عبد الله العنبري ونزيل بيت المقدس عبد الله بن شوذب البلخي ، ومحدث حمص أبو بكر بن أبي مريم الغساني ، وعمر بن ذر بالكوفة ، ومحدث المغرب عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال : لم أكتب إلا تفسير قتادة ، وذلك أن أبا معشر كتب إلي أن اكتبه . وقال أبو داود الطيالسي : كان سعيد أحفظ أصحاب قتادة .

                                                                                      أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أنبأنا علي بن مختار ( ح ) وأنبأنا أحمد بن عبد الكريم بن الأغلاقي ، أنبأنا نصر بن جرو ( ح ) وأنبأنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد ، أنبأنا عبد القوي بن الحباب ، وأنبأنا علي بن أحمد الحسيني ، أنبأنا مرتضى بن حاتم ، وأنبأنا أبو القاسم بن عمر الهواري وعبد الرحمن بن مخلوق وطائفة قالوا : أنبأنا جعفر بن منير ، قالوا خمستهم : أنبأنا [ ص: 418 ] أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة ، أنبأنا عبد الرحمن بن عمر ، والحسين بن الحسين الهاشمي والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمد بن عبد الملك ، ومحمد بن عبد الكريم ، قالوا خمستهم : أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز ، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي : إن الله أمرني أن أقرئك القرآن ، أو أقرأ عليك القرآن . قال : الله سماني لك ؟ قال : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال : نعم ، فذرفت عيناه أخرجه البخاري عن ابن المنادي ، لكن سماه أحمد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية