[ طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]
وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ ، فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ ، فَرَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ ، خَافِضِي أَصْوَاتَهُمْ ، قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ ، خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ ، إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ - كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيُّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ ، أَحَدِ بَنِي النَّجَّارِ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا ، وَلَطَمَ وَجْهَهُ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَأَبُو أَيُّوبَ يَقُولُ لَهُ : أُفٍّ لَكَ مُنَافِقًا خَبِيثًا : أَدْرَاجَكَ يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَيْ ارْجِعْ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ مِنْهَا . قَالَ الشَّاعِرُ :
:
فَوَلَّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمَّ وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللِّحْيَةِ ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرَّ مِنْهَا .
قَالَ : يَقُولُ : خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ ؛ قَالَ : [ ص: 529 ] أَبْعَدَكَ اللَّهُ يَا مُنَافِقُ ، فَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنْ الْعَذَابِ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللَّدْمُ : الضَّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفِّ . قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ مُقْبِلٍ :
:
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْغَيْبُ : مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ . وَالْأَبْهَرُ : عِرْقُ الْقَلْبِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ، كَانَ بَدْرِيًّا ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ ، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابًّا ، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابٌّ غَيْرُهُ ، فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ : الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَ ذَا جُمَّةٍ ، فَأَخَذَ بِجُمَّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا ، عَلَى مَا مَرَّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . قَالَ : يَقُولُ الْمُنَافِقُ : لَقَدْ أَغْلَظْتَ يَا ابْنَ الْحَارِثِ ، فَقَالَ لَهُ ؛ إنَّكَ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، أَيْ عَدُوُّ اللَّهِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ ، فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّكَ نَجِسٌ . وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيِّ بْنِ الْحَارِثِ ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا ، وَأَفَّفَ مِنْهُ ، وَقَالَ : غَلَبَ عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ وَأَمْرُهُ . فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ .
|