الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة

                                                                                                                81 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله وفي رواية أبي كريب يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار حدثني زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا الأعمش بهذا الإسناد مثله غير أنه قال فعصيت فلي النار [ ص: 253 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 253 ] باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة

                                                                                                                في الباب حديثان أحدهما : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ، وفي رواية يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) والحديث الثاني ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) مقصود مسلم - رحمه الله - بذكر هذين الحديثين هنا أن من الأفعال ما تركه يوجب الكفر إما حقيقة وإما تسمية . فأما كفر إبليس بسبب السجود فمأخوذ من قول الله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين قال الجمهور : معناه وكان في علم الله تعالى من الكافرين ، وقال بعضهم : وصار من الكافرين ، كقوله تعالى وحال بينهما الموج فكان من المغرقين .

                                                                                                                وأما تارك الصلاة فإن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين ، خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه ، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ، ولكنه يقتل بالسيف . وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - . وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه . وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه . وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهما الله أنه لا يكفر ، ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتج من قال بكفره بظاهر الحديث الثاني المذكور ، وبالقياس على كلمة التوحيد . واحتج من قال لا يقتل بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس فيه الصلاة . واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة . حرم الله على النار من قال لا إله إلا الله وغير ذلك .

                                                                                                                واحتجوا على قتله بقوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وقوله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وتأولوا قوله - صلى الله عليه وسلم - : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل ، أو أنه محمول على المستحل ، أو على أنه قد يئول به إلى الكفر ، أو أن فعله فعل الكفار . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 254 ] وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة ) فمعناه آية السجدة .

                                                                                                                ( وقوله يا ويله ) هو من آداب الكلام ، وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم ، صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه .

                                                                                                                وقوله في الرواية الأخرى : ( يا ويلي ) يجوز فيه فتح اللام وكسرها .




                                                                                                                الخدمات العلمية