الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين

                                                                                                                                                                                                        6531 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا خيثمة حدثنا سويد بن غفلة قال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة [ ص: 296 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 296 ] قوله : ( باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون . أما الخوارج فهم جمع خارجة أي طائفة ، وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين ، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير أنهم خرجوا على علي - رضي الله عنه - حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان - رضي الله عنه - ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله أو مواطأته إياهم ، كذا قال ، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار ؛ فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان بل كانوا ينكرون عليه أشياء ويتبرءون منه .

                                                                                                                                                                                                        وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك ، وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة ، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك ، فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك ، فبلغ عليا فخرج إليهم ، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة وانتصر علي وقتل طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة ، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق .

                                                                                                                                                                                                        ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك وكان علي أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك ، ويلتمس من علي أن يمكنه منهم ، ثم يبايع له بعد ذلك ، وعلي يقول ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلي أحكم فيهم بالحق ، فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبا قتال أهل الشام فخرج معاوية في أهل الشام قاصدا إلى قتاله ، فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهما أشهرا .

                                                                                                                                                                                                        وكاد أهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية ، فترك جمع كثير ممن كان مع علي وخصوصا القراء القتال بسبب ذلك تدينا ، واحتجوا بقوله تعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية ، فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه ، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك ، وأنكرت ذلك تلك الطائفة التي صاروا خوارج وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام : هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين على معاوية فامتنع أهل الشام من ذلك وقالوا اكتبوا اسمه واسم أبيه ، فأجاب علي إلى ذلك فأنكره عليه الخوارج أيضا .

                                                                                                                                                                                                        ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد مدة عينوها في مكان وسط بين الشام والعراق ، ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم ، فرجع معاوية إلى الشام ، ورجع علي إلى الكوفة ، ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف وقيل : كانوا أكثر من عشرة آلاف وقيل ستة آلاف ، ونزلوا مكانا يقال له حروراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة ، ومن ثم قيل لهم الحرورية وكان كبيرهم عبد الله [ ص: 297 ] بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري ، وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه .

                                                                                                                                                                                                        ثم خرج إليهم علي ، فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معهم رئيساهم المذكوران ، ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه ، فبلغ ذلك عليا فخطب وأنكر ذلك ، فتنادوا من جوانب المسجد : لا حكم إلا لله ، فقال : كلمة حق يراد بها باطل ، فقال لهم : لكم علينا ثلاثة : أن لا نمنعكم من المساجد ، ولا من رزقكم من الفيء ، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا .

                                                                                                                                                                                                        وخرجوا شيئا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن ، فراسلهم في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب ، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله ، ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله ، وانتقلوا إلى الفعل فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل فقتلوه وبقروا في سريته عن ولد ، فبلغ عليا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام .

                                                                                                                                                                                                        فأوقع بهم بالنهروان ، ولم ينج منهم إلا دون العشرة ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة ، فهذا ملخص أول أمرهم ، ثم انضم إلى من بقي منهم من مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل عليا بعد أن دخل علي في صلاة الصبح ، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له النجيلة ثم كانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول مدة معاوية وولده يزيد .

                                                                                                                                                                                                        وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل ، فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام ثار مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع الشام إلى مصر ، فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن الأزرق ، وباليمامة مع نجدة بن عامر وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم ، وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرا ، وإن لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة ، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر ، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقا وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب ، فمنهم من يفعل ذلك مطلقا بغير دعوة منهم ، ومنهم من يدعو أولا ثم يفتك ، ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم ، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية ، ودخلت طائفة منهم المغرب .

                                                                                                                                                                                                        وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح النون بعدها فاء واسمه لوط بن يحيى كتابا لخصه الطبري في تاريخه وصنف في أخبارهم أيضا الهيثم بن عدي كتابا ، ومحمد بن قدامة الجوهري أحد شيوخ البخاري خارج الصحيح كتابا كبيرا ، وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه " الكامل " لكن بغير أسانيد بخلاف المذكورين قبله .

                                                                                                                                                                                                        قال القاضي أبو بكر بن العربي : الخوارج صنفان ؛ أحدهما يزعم أن عثمان وعليا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار ، والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا .

                                                                                                                                                                                                        وقال غيره : بل الصنف الأول مفرع عن الصنف الثاني لأن الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن حزم : ذهب نجدة بن عامر من الخوارج إلى أن من أتى صغيرة عذب بغير النار ، ومن أدمن على صغيرة فهو كمرتكب الكبيرة في التخليد في النار ، وذكر [ ص: 298 ] أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد فأنكر الصلوات الخمس وقال : الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي .

                                                                                                                                                                                                        ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت ، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن ، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه .

                                                                                                                                                                                                        وقال أبو منصور البغدادي في المقالات : عدة فرق الخوارج عشرون فرقة ، وقال ابن حزم أسوؤهم حالا الغلاة المذكورون وأقربهم إلى قول أهل الحق الإباضية ، وقد بقيت منهم بقية بالمغرب ، وقد وردت بما ذكرته من أصل حال الخوارج أخبار جياد : منها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر وأخرجه الطبري من طريق يونس كلاهما عن الزهري قال : لما نشر أهل الشام المصاحف بمشورة عمرو بن العاص حين كاد أهل العراق أن يغلبوهم هاب أهل الشام ذلك إلى أن آل الأمر إلى التحكيم ، ورجع كل إلى بلده إلى أن اجتمع الحكمان في العام المقبل بدومة الجندل وافترقا عن غير شيء ، فلما رجعوا خالفت الحرورية عليا وقالوا لا حكم إلا لله ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال : لما وقع الرضا بالتحكيم ورجع علي إلى الكوفة اعتزلت الخوارج بحروراء فبعث لهم علي عبد الله بن عباس فناظرهم ، فلما رجعوا جاء رجل إلى علي فقال : إنهم يتحدثون أنك أقررت لهم بالكفر لرضاك بالتحكيم ، فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد : لا حكم إلا لله . ومن وجه آخر أن رءوسهم حينئذ الذين اجتمعوا بالنهروان عبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن حصن الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ، فاتفقوا على تأمير عبد الله بن وهب ، وسيأتي كثير من أسانيد ما أشرت إليه بعد في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        وقال الغزالي في " الوسيط " تبعا لغيره في حكم الخوارج وجهان : أحدهما أنه كحكم أهل الردة ، والثاني أنه كحكم أهل البغي ، ورجح الرافعي الأول ، وليس الذي قاله مطردا في كل خارجي فإنهم على قسمين : أحدهما من تقدم ذكره ، والثاني من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده ، وهم على قسمين أيضا : قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق ، ومنهم الحسن بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج ، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط سواء كانت فيهم شبهة أم لا وهم البغاة . وسيأتي بيان حكمهم في كتاب الفتن ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله إلخ ) وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال : كان يراهم شرار خلق الله ، انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وسنده صحيح ، وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج " هم شرار الخلق والخليقة " ، وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله ، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : " ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخوارج فقال : هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي " وسنده حسن .

                                                                                                                                                                                                        وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وفي حديث أبي سعيد عند أحمد " هم شر البرية " ، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم : " من أبغض خلق الله إليه " ، وفي حديث عبد الله بن خباب يعني عن أبيه عند الطبراني " شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض " ، وفي حديث أبي أمامة نحوه ، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج " شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا " ، وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة " هم شر الخلق " وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم . ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث :

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 299 ] الحديث الأول : قوله : ( حدثنا خيثمة ) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما تحتانية ساكنة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي ، لأبيه ولجده صحبة ، ووقع في رواية سهل بن بجر عن عمر بن حفص بهذا السند : حدثني بالإفراد أخرجه أبو نعيم ولم يصرح بالتحديث فيه إلا حفص بن غياث ؛ فقد أخرجه مسلم من رواية وكيع وعيسى بن يونس والثوري وجرير وأبي معاوية ، وتقدم في علامات النبوة وفضائل القرآن من رواية سفيان الثوري ، وهو عند أبي داود والنسائي من رواية الثوري أيضا ، وعند أبي عوانة من رواية يعلى بن عبيد ، وعند الطبري أيضا من رواية يحيى بن عيسى الرملي وعلي بن هشام كلهم عن الأعمش بالعنعنة ، وذكر الإسماعيلي أن عيسى بن يونس زاد فيه رجلا فقال عن الأعمش : حدثني عمرو بن مرة عن خيثمة .

                                                                                                                                                                                                        قلت : لم أر في رواية عيسى عند مسلم ذكر عمرو بن مرة وهو من المزيد في متصل الأسانيد ، لأن أبا معاوية هو الميزان في حديث الأعمش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سويد بن غفلة ) بفتح المعجمة والفاء مخضرم من كبار التابعين ، وقد قيل إن له صحبة ، وتقدم بيان ذلك في أواخر فضائل القرآن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال علي ) هو على حذف " قال " وهو كثير في الخط والأولى أن ينطق به ، وقد مضى في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن الأعمش بهذا السند قال : " قال علي " ، وعند النسائي من هذا الوجه عن علي ، قال الدارقطني : لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع إلا هذا .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وما له في الكتب الستة ولا عند أحمد غيره ، وله في المستدرك من طريق الشعبي عنه قال : " خطب علي بنت أبي جهل " أخرجه من طريق أحمد عن يحيى بن أبي زائدة عن زكريا عن الشعبي ، وسنده جيد ، لكنه مرسل لم يقل فيه " عن علي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذا حدثتكم ) في رواية يحيى بن عيسى سبب لهذا الكلام ، فأول الحديث عنده عن سويد بن غفلة قال : " كان علي يمر بالنهر وبالساقية فيقول : صدق الله ورسوله فقلنا يا أمير المؤمنين ما تزال تقول هذا قال إذا حدثتكم إلخ ، وكان علي في حال المحاربة يقول ذلك ، وإذا وقع له أمر يوهم أن عنده في ذلك أثرا ، فخشي في هذه الكائنة أن يظنوا أن قصة ذي الثدية من ذلك القبيل فأوضح أن عنده في أمره نصا صريحا ، وبين لهم أنه إذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكني ولا يعرض ولا يوري ، وإذا لم يحدث عنه فعل ذلك ليخدع بذلك من يحاربه ، ولذلك استدل بقوله : الحرب خدعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوالله لأن أخر ) بكسر الخاء المعجمة أي أسقط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من السماء ) زاد أبو معاوية والثوري في روايتهما " إلى الأرض " أخرجه أحمد عنهما ، وسقطت للمصنف في علامات النبوة ولم يسق مسلم لفظهما ، ووقع في رواية يحيى بن عيسى " أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيما بيني وبينكم ) في رواية يحيى بن عيسى " عن نفسي " ، وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عن علي " قام فينا علي عند أصحاب النهر فقال : ما سمعتموني أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثوا به ، وما سمعتموني أحدث في غير ذلك " . ويستفاد من هذه الرواية معرفة الوقت الذي حدث فيه علي بذلك والسبب أيضا .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 300 ] قوله : ( فإن الحرب خدعة ) في رواية يحيى بن عيسى فإنما الحرب خدعة وقد تقدم في كتاب الجهاد أن هذا أعني الحرب خدعة - حديث مرفوع ، وتقدم ضبط خدعة هناك ومعناها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سيخرج قوم في آخر الزمان ) كذا وقع في هذه الرواية وفي حديث أبي برزة عند النسائي " يخرج في آخر الزمان قوم " ، وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده ، فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي ، وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم ، وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر ، لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ، ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة ، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون الثلاثين بنحو سنتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أحداث ) بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو الصغير السن هكذا في أكثر الروايات ، ووقع هنا للمستملي والسرخسي حداث بضم أوله وتشديد الدال ، قال في " المطالع " معناه شباب جمع حديث السن أو جمع حدث .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن التين حداث جمع حديث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كبير ، والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار ، وتقدم في التفسير حداث مثل هذا اللفظ لكنه هناك جمع على غير قياس ، والمراد سمار يتحدثون ؛ قاله في النهاية ، وتقدم في علامات النبوة بلفظ : حدثاء بوزن سفهاء وهو جمع حديث كما تقدم تقريره ، والأسنان جمع سن والمراد به العمر ، والمراد أنهم شباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سفهاء الأحلام ) جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل ، والمعنى أن عقولهم رديئة .

                                                                                                                                                                                                        وقال النووي : يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقولون من خير قول البرية ) تقدم في علامات النبوة وفي آخر فضائل القرآن قول من قال إنه مقلوب وأن المراد من قول خير البرية وهو القرآن .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد القول الحسن في الظاهر وباطنه على خلاف ذلك كقولهم : " لا حكم إلا لله " في جواب علي كما سيأتي . وقد وقع في رواية طارق بن زياد عند الطبري قال : " خرجنا مع علي - فذكر الحديث وفيه : يخرج قوم يتكلمون كلمة الحق لا تجاوز حلوقهم " ، وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أبي داود والطبراني " يحسنون القول ويسيئون الفعل " ونحوه في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد ، وفي حديث مسلم عن علي : يقولون الحق لا يجاوز هذا وأشار إلى حلقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ) في رواية الكشميهني " لا يجوز " والحناجر بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس وهو طرف المريء مما يلي الفم ، ووقع في رواية مسلم من رواية زيد بن وهب عن علي " لا تجاوز صلاتهم تراقيهم " فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة وله في حديث أبي ذر " لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم " والمراد أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب ، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم " يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه " وهذه المجاوزة غير المجاوزة الآتية في حديث أبي سعيد .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 301 ] قوله : ( يمرقون من الدين ) في رواية أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عند النسائي والطبري يمرقون من الإسلام وكذا في حديث ابن عمر في الباب ، وفي رواية زيد بن وهب المشار إليها ، وحديث أبي بكرة في الطبري وعند النسائي من رواية طارق بن زياد عن علي " يمرقون من الحق " ، وفيه تعقب على من فسر الدين هنا بالطاعة كما تقدمت الإشارة إليه في علامات النبوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كما يمرق السهم من الرمية ) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية أي الشيء الذي يرمى به ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي ، وسيأتي في الباب الذي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) في رواية زيد بن وهب " لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل " ، ولمسلم في رواية عبيدة بن عمرو عن علي " لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - " قال عبيدة : قلت لعلي : أنت سمعته؟ قال : إي ورب الكعبة ثلاثا . وله في رواية زيد بن وهب في قصة قتل الخوارج " أن عليا لما قتلهم قال : صدق الله وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة فقال : يا أمير المؤمنين : آلله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا ، " قال النووي : إنما استحلفه ليؤكد الأمر عند السامعين ولتظهر معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن عليا ومن معه على الحق .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وليطمئن قلب المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه علي أن الحرب خدعة فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئا منصوصا ، وإلى ذلك يشير قول عائشة لعبد الله بن شداد في روايته المشار إليها حيث قالت له : " ما قال علي حينئذ؟ قال سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : رحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله ، فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدونه " ، فمن هذا أراد عبيدة بن عمرو التثبت في هذه القصة بخصوصها وأن فيها نقلا منصوصا مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج أحمد نحو هذا الحديث عن علي وزاد في آخره : " قتالهم حق على كل مسلم " ، ووقع سبب تحديث علي بهذا الحديث في رواية عبيد الله بن أبي رافع فيما أخرجه مسلم من رواية بشر بن سعيد عنه قال : " إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا : لا حكم إلا لله تعالى ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم - وأشار بحلقه - من أبغض خلق الله إليه " الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية