الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 521 ] سورة الهمزة قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل قوله : { ويل لكل همزة لمزة } هو الطعان العياب كما قال : ( { هماز مشاء بنميم } وقال : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } وقال : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين } والهمز : أشد ; لأن الهمز الدفع بشدة ومنه الهمزة من الحروف وهي نقرة في الحلق ومنه : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم { أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه } وقال : " همزه الموتة " وهي الصرع فالهمز مثل الطعن لفظا ومعنى .

                واللمز كالذم والعيب وإنما ذم من يكثر الهمز . واللمز فإن الهمزة واللمزة هو الذي يفعل ذلك كثيرا و ( الهمزة و ( اللمزة [ ص: 522 ] الذي يفعل ذلك به . كما في نظائره مثل الضحكة والضحكة واللعبة واللعبة وقوله : { الذي جمع مالا وعدده } وصفه بالطعن في الناس والعيب لهم وبجمع المال وتعديده وهذا نظير قوله : { والله لا يحب كل مختال فخور } { الذين يبخلون } في " الحديد " ونظيرها في المعنى في " النساء " فإن الهمزة اللمزة يشبه المختال الفخور والجماع المحصي نظير البخيل . وكذلك نظيرهما : قوله { هماز مشاء بنميم } { مناع للخير معتد أثيم } { عتل بعد ذلك زنيم } وصفه بالكبر والبخل وكذلك قوله : { وأما من بخل واستغنى } فهذه خمس مواضع وذلك ناشئ عن حب الشرف والمال فإن محبة الشرف تحمل على انتقاص غيره بالهمز واللمز والفخر والخيلاء ومحبة المال تحمل على البخل وضد ذلك من أعطى فلم يبخل واتقى فلم يهمز ولم يلمز وأيضا فإن المعطي نفع الناس والمتقي لم يضرهم فنفع ولم يضر وأما المختال الفخور البخيل فإنه ببخله منعهم الخير وبفخره سامهم الضر فضرهم ولم ينفعهم وكذلك " الهمزة الذي جمع مالا " ونظيره قارون الذي جمع مالا وكان من قوم موسى فبغى عليهم .

                ومن تدبر القرآن وجد بعضه يفسر بعضا فإنه كما قال ابن عباس في رواية الوالبي : مشتمل على الأقسام والأمثال وهو تفسير : ( متشابها مثاني .

                [ ص: 523 ] ولهذا جاء كتاب الله جامعا . كما قال صلى الله عليه وسلم " { أعطيت جوامع الكلم } " وقال تعالى : { كتابا متشابها مثاني } فالتشابه يكون في الأمثال والمثاني في الأقسام فإن التثنية في مطلق التعديد . كما قد قيل في قوله : { ارجع البصر كرتين } وكما في قول حذيفة " كنا نقول بين السجدتين : رب اغفر لي رب اغفر لي " وكما يقال : فعلت هذا مرة بعد مرة فتثنية اللفظ يراد به التعديد ; لأن العدد ما زاد على الواحد وهو أول التثنية وكذلك ثنيت الثوب أعم من أن يكون مرتين فقط أو مطلق العدد فهو جميعه متشابه يصدق بعضه بعضا ليس مختلفا بل كل خبر وأمر منه يشابه الخبر لاتحاد مقصود الأمرين ولاتحاد الحقيقة التي إليها مرجع الموجودات .

                فلما كانت الحقائق المقصودة والموجودة ترجع إلى أصل واحد وهو الله سبحانه . كان الكلام الحق فيها خبرا وأمرا متشابها ليس بمنزلة المختلف المتناقض . كما يوجد في كلام أكثر البشر والمصنفون الكبار منهم يقولون شيئا ثم ينقضونه وهو جميعه مثاني ; لأنه استوفيت فيه الأقسام المختلفة فإن الله يقول : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } فذكر الزوجين مثاني والإخبار عن الحقائق بما هي عليه بحيث يحكم على الشيء بحكم نظيره وهو حكم على المعنى الواحد المشترك خبرا أو طلبا خطاب متشابه فهو متشابه مثاني .

                [ ص: 524 ] وهذا في المعاني مثل الوجوه والنظائر في الألفاظ فإن كل شيئين من الأعيان والأعراض وغير ذلك إما أن يكون أحدهما مثل الآخر أو لا يكون مثله فهي الأمثال وجمعها هو التأليف وإذا جاءت بلفظ واحد كانت نظائر وإن لم يكن مثله فهو خلافه سواء كان ضدا أو لم يكن وقد يقال : إما أن يجمعهما جنس أو لا فإن لم يجمعهما جنس فأحدهما بعيد عن الآخر ولا مناسبة بينهما وإن جمعهما جنس فهي الأقسام وجمعها هو التصنيف ودلالة اللفظ الواحد على المعاني المختلفة تسمى الوجوه . والكلام الجامع هو الذي يستوفي الأقسام المختلفة والنظائر المتماثلة جمعا بين المتماثلين وفرقا بين المختلفين . بحيث يبقى محيطا وإلا فذكر أحد القسمين أو المثلين لا يفيد التمام ولا يكون الكلم محيطا ولا الكلم جوامع وهو فعل غالب الناس في كلامهم .

                والحقائق في نفسها : منها المختلف ومنها المؤتلف والمختلفان بينهما اتفاق من وجه وافتراق من وجه فإذا أحاط الكلام بالأقسام المختلفة والأمثال المؤتلفة كان جامعا وباعتبار هذه المعاني كانت ضروب القياس العقلي المنطقي ثلاثة : الحمليات والشرطيات المتصلة والشرطيات المنفصلة .

                فالأول للحقائق المتماثلة الداخلة في القضية الجامعة .

                والثاني للمختلفات التي ليست متضادة بل تتلازم تارة ولا تتلازم أخرى .

                [ ص: 525 ] والثالث للحقائق المتضادة المتنافية إما وجودا أو عدما وهي النقيضان وإما وجودا فقط وهو أعم من النقيضين وإما عدما فقط وهو أخص من النقيضين .

                فالحمليات للمثلين والأمثال والشرطيات المنفصلة للمتضادين والمتضادات ويسمى التقسيم والسبر والترديد والبياني والمتصلة للخلافين غير المتضادين ويسمى التلازم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية