الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر حجاب النساء قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه . حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أبي عثمان واسمه الجعد بن دينار عن أنس قال : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أهدت إليه أم سليم حيسا في تور من حجارة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فادع من [ ص: 242 ] لقيت من المسلمين ، فدعوت له من لقيت ، فجعلوا يدخلون فيأكلون ويخرجون ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه وقال فيه ما شاء الله أن يقول ، ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته ، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ، وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه إلى قوله : وقلوبهن .

وروى بشر بن المفضل عن حميد الطويل عن أنس ، ذكر حديث بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ووليمته : فلما طعم القوم ، وكان مما يفعل إذا أصبح ليلة بنائه دنا من حجر أمهات المؤمنين فسلم عليهن وسلمن عليه ودعا لهن ودعون له ، فلما انصرف وأنا معه إلى بيته بصر برجلين قد جرى بينهما الحديث من ناحية البيت ، فانصرف عن بيته ، فلما رأى الرجلان انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيته وثبا خارجين ، فأخبر أنهما قد خرجا ، فرجع حتى دخل بيته فأرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب . وروى حماد بن زيد عن أسلم العلوي عن أنس قال : لما نزلت آية الحجاب جئت لأدخل كما كنت أدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وراءك يا أنس .

قال أبو بكر : فانتظمت الآية أحكاما ، منها النهي عن دخول بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذن وأنهم إذا أذن لهم لا يقعدون انتظارا لبلوغ الطعام ونضجه ، وإذا أكلوا لا يقعدون للحديث . وروي عن مجاهد : غير ناظرين إناه قال : ( متحينين حين نضجه ولا مستأنسين لحديث بعد أن يأكلوا ) . وقال الضحاك : غير ناظرين إناه قال : ( نضجه ) .

قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب قد تضمن حظر رؤية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبين به أن ذلك أطهر لقلوبهم وقلوبهن ؛ لأن نظر بعضهم إلى بعض ربما حدث عنه الميل والشهوة ، فقطع الله بالحجاب الذي أوجبه هذا السبب .

قوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله يعني بما بين في هذه الآية من إيجاب الاستئذان وترك الإطالة للحديث عنده والحجاب بينهم وبين نسائه . وهذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالمعنى عام فيه وفي غيره ؛ إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به إلا ما خصه الله به دون أمته . وقد روى معمر عن قتادة أن رجلا قال : لو قبض النبي صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة ؛ فأنزل الله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله

قال أبو بكر : ما ذكره قتادة هو أحد ما انتظمته الآية ؛ وروى عيسى بن يونس عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه قال لامرأته : إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة إن جمع الله بيننا فيها فلا تزوجي بعدي فإن [ ص: 243 ] المرأة لآخر أزواجها ؛ ولذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده .

وروى حميد الطويل عن أنس قال : سألت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : المرأة منا يكون لها زوجان فتموت فتدخل الجنة هي وزوجها لأيهما تكون ؟ قال : يا أم حبيبة لأحسنهما خلقا كان معها في الدنيا فتكون زوجته في الجنة . يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة .

قوله تعالى : لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن الآية . قال قتادة " رخص لهؤلاء أن لا يجتنبن منهم " .

قال أبو بكر : ذكر ذوي المحارم منهن وذكر نساءهن ، والمعنى والله أعلم : الحرائر ، ما ملكت أيمانهن يعني الإماء ؛ لأن العبد والحر لا يختلفان فيما يباح لهم من النظر إلى النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية