الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 531 ] 86

ثم دخلت سنة ست وثمانين

ذكر وفاة عبد الملك

في هذه السنة توفي عبد الملك بن مروان منتصف شوال ، وكان يقول : أخاف الموت في شهر رمضان ، فيه ولدت ، وفيه فطمت ، وفيه جمعت القرآن ، وفيه بايع لي الناس . فمات للنصف من شوال حين أمن الموت في نفسه . وكان عمره ستين سنة ، وقيل : ثلاثا وستين سنة ، وكانت خلافته من لدن قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال ، وقيل : وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما .

ولما اشتد مرضه قال بعض الأطباء : إن شرب الماء مات . فاشتد عطشه فقال : يا وليد ، اسقني ماء . قال : لا أعين عليك . فقال لابنته فاطمة : اسقيني ماء . فمنعها الوليد . فقال : لتدعنها أو لأخلعنك . فقال : لم يبق بعد هذا شيء ، فسقته فمات . ودخل الوليد عليه وابنته فاطمة عند رأسه تبكي فقال : كيف أمير المؤمنين ؟ قال : هو أصلح . فلما خرج قال عبد الملك : ومستخبر عنا يريد لنا الردى ومستخبرات والدموع سواجم

وأوصى بنيه فقال : أوصيكم بتقوى الله ، فإنها أزين حلية وأحصن كهف ، ليعطف الكبير منكم على الصغير ، وليعرف الصغير حق الكبير ، وانظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه ، فإنه نابكم الذي عنه تفترون ، ومجنكم الذي عنه ترمون ، فأكرموا الحجاج ، فإنه الذي وطأ لكم المنابر ، ودوخ لكم البلاد ، وأذل الأعداء ، وكونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب ، وكونوا في الحرب أمرارا ، فإن القتال لا يقرب ميتة ، وكونوا للمعروف [ ص: 532 ] منارا ، فإن المعروف يبقى أجره وذكره ، وضعوا معروفكم عند ذوي الأحساب ، فإنهم أصون له وأشكر لما يؤتى إليهم منه ، وتمغدوا ذنوب أهل الذنوب ، فإن استقالوا فأقيلوا ، وإن عادوا فانتقموا .

ولما توفي دفن خارج باب الجابية ، وصلى عليه الوليد ، فتمثل هشام : فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما

فقال الوليد : اسكت ، فإنك تتكلم بلسان شيطان ، ألا قلت كما قال أوس بن حجر : إذا مقرم منا ذرا حد نابه تخمط منا ناب آخر مقرم

وقيل : إن سليمان تمثل بالبيت الأول . وهو الصحيح ; لأن هشاما كان صغيرا له أربع عشرة سنة . وقد رثى الشعراء عبد الملك ، كثير عزة وغيره ، فمما قيل فيه : سقاك ابن مروان من الغيث مسبل أجش شمالي يجود ويهطل فما في حياة بعد موتك رغبة لحر وإن كنا الوليد نؤمل

التالي السابق


الخدمات العلمية