الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 160 ] أحمد بن صالح ( خ ، د )

                                                                                      الإمام الكبير ، حافظ زمانه بالديار المصرية أبو جعفر المصري ، المعروف بابن الطبري . كان أبوه جنديا من آمل طبرستان .

                                                                                      وكان أبو جعفر رأسا في هذا الشأن ، قل أن ترى العيون مثله ، مع الثقة والبراعة .

                                                                                      ولد بمصر سنة سبعين ومائة ضبطه ابن يونس . حدث عن : ابن وهب فأكثر ، وعن سفيان بن عيينة ، ارتحل إليه ، وحج ، وسار إلى اليمن ، فأكثر عن عبد الرزاق . وروى أيضا عن : ابن أبي فديك ، وعنبسة بن خالد الأيلي ، وحرمي بن عمارة ، وأسد بن موسى ، وعبد الملك بن عبد الرحمن الذماري ، ويحيى بن حسان ، ويحيى بن محمد الجاري ، وأبي نعيم ، وعفان ، وسلامة بن روح ، وخلق سواهم .

                                                                                      حدث عنه : البخاري ، وأبو داود ، وأبو زرعة الرازي ، ومحمد بن يحيى ، وموسى بن سهل الرملي ، ومحمد بن المثنى الزمن ، وهو أكبر [ ص: 161 ] منه ، ومحمود بن غيلان ، وهو من طبقته ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، ومات قبله بزمان ، وأبو إسماعيل الترمذي ، وأبو الأحوص محمد بن الهيثم ، ويعقوب الفسوي ، وإسماعيل سمويه ، وصالح بن محمد جزرة ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وأبو زرعة الدمشقي ، وعلي بن الحسين بن الجنيد ، وعبيد بن رجال ، وأحمد بن محمد بن نافع الطحان ، وخلق كثير ، آخرهم وفاة أبو بكر بن أبي داود ، وقد سمع منه النسائي ، ولم يحدث عنه ، وقع بينهما ، وآذاه أحمد بن صالح ، فآذى النسائي نفسه بوقوعه في أحمد .

                                                                                      روى علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، عن محمد بن عبد الله بن نمير ، سمعت أبا نعيم يقول : ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى ، يريد أحمد بن صالح .

                                                                                      وقال الحافظ ابن عدي : سمعت أحمد بن عاصم الأقرع بمصر ، سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول : قدمت العراق ، فسألني أحمد بن حنبل : من خلفت بمصر ؟ قلت : أحمد بن صالح ، فسر بذكره ، وذكر خيرا ، ودعا الله له .

                                                                                      محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري : سمعت أبا الحسن علي بن محمود الهروي يقول : قلت لأحمد بن حنبل : من أعرف الناس بأحاديث [ ص: 162 ] ابن شهاب ؟ قال : أحمد بن صالح ، ومحمد بن يحيى النيسابوري .

                                                                                      وقال عبد الله بن إسحاق النهاوندي الحافظ : سمعت يعقوب بن سفيان يقول : كتبت عن ألف شيخ وكسر ، كلهم ثقات ، ما أحد أتخذه عند الله حجة ، إلا رجلين : أحمد بن صالح بمصر ، وأحمد بن حنبل بالعراق .

                                                                                      قلت : في صحة هذا نظر ، فإن يعقوب ما كتب عن ألف شيخ ولا شطر ذلك . وهذه مشيخته موجودة في مجلد لطيف ، وشتان ما بين الأحمدين في سعة الرحلة ، وكثرة المشايخ ، والجلالة والفضل .

                                                                                      قال البخاري : أحمد بن صالح ثقة صدوق ، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة ، وكان أحمد بن حنبل وعلي وابن نمير وغيرهم يثنون على أحمد بن صالح . كان علي يقول : سلوا أحمد ، فإنه أثبت .

                                                                                      خلف الخيام : سمعت صالح بن محمد ، يقول : قال أحمد بن صالح : كان عند ابن وهب مائة ألف حديث ، كتبت عنه خمسين ألفا .

                                                                                      قال صالح : ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث ، ولا يحفظ غير أحمد بن صالح ، كان يعقل الحديث ، ويحسن أن يأخذ ، وكان رجلا [ ص: 163 ] جامعا ، يعرف الفقه والحديث والنحو ، ويتكلم -يعني : يعرف ويذاكر- في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق ، أي يذاكر بذلك . قال : وكان قدم العراق ، وكتب عن عفان وهؤلاء . وكان يذاكر بحديث الزهري ، ويحفظه .

                                                                                      وقال أحمد بن صالح : كتبت عن ابن زبالة ، يعني : محمد بن الحسن بن زبالة مائة ألف حديث ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث ، فتركت حديثه . وكان أحمد بن صالح يثني على أبي الطاهر بن السرح ، ويقع في حرملة ويونس بن عبد الأعلى .

                                                                                      قال ابن عدي : سمعت محمد بن موسى الحضرمي -هو أخو أبي عجيبة - يقول : سمعت بعض مشايخنا يقول : قال أحمد بن صالح : صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث ، فعند بعض الناس منها الكل -يعني : حرملة - وعند بعض الناس منها النصف ، يريد نفسه .

                                                                                      قال علي بن الجنيد الحافظ : سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول : أخبرنا أحمد بن صالح ، وإذا جاوزت الفرات ، فليس أحد مثله . [ ص: 164 ]

                                                                                      وقال الحافظ ابن عقدة : حدثني عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة ، سمعت ابن نمير ، وذكر أحمد بن صالح ، فقال : هو واحد الناس في علم الحجاز والمغرب ، فهم ، وجعل يعظمه . وأخبرنا عنه بغير شيء .

                                                                                      أحمد بن سلمة النيسابوري ، عن ابن وارة ، قال : أحمد بن حنبل ببغداد ، وابن نمير بالكوفة ، والنفيلي بحران ، هؤلاء أركان الدين .

                                                                                      قال أحمد العجلي : أحمد بن صالح مصري ثقة ، صاحب سنة .

                                                                                      وقال أبو حاتم : ثقة . كتبت عنه بمصر وبدمشق وأنطاكية .

                                                                                      قال أبو زرعة الدمشقي : ذاكرت أحمد بن صالح مقدمه دمشق سنة سبع عشرة ومائتين .

                                                                                      وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : كتب أحمد بن صالح عن سلامة بن روح ، وكان لا يحدث عنه ، وكتب عن ابن زبالة بخمسين ألف حديث ، وكان لا يحدث عنه ، وحدث أحمد بن صالح قبل أن يبلغ الأربعين ، وكتب عباس العنبري عن رجل عنه ، وقال : كان أحمد بن صالح يقوم كل لحن في الحديث .

                                                                                      وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الغزال : أحمد بن [ ص: 165 ] صالح طبري الأصل ، كان من حفاظ الحديث ، واعيا ، رأسا في علم الحديث وعلله ، وكان يصلي بالشافعي . ولم يكن في أصحاب ابن وهب أحد أعلم بالآثار منه .

                                                                                      قال أبو سعيد بن يونس : كان أبوه من طبرستان جنديا من العجم ، وكان أحمد حافظا للحديث . ذكره النسائي يوما ، فرماه ، وأساء الثناء عليه ، وقال : حدثنا معاوية بن صالح ، سمعت يحيى بن معين يقول : أحمد بن صالح كذاب يتفلسف . ثم قال ابن يونس : لم يكن عندنا بحمد الله كما قال النسائي ، ولم يكن له آفة غير الكبر .

                                                                                      وقال أبو أحمد بن عدي : سمعت عبدان الأهوازي يقول : سمعت أبا داود السجستاني يقول : أحمد بن صالح ليس هو كما يتوهمون ، يعني . ليس بذاك في الجلالة . ثم قال ابن عدي : وسمعت القاسم بن عبد الله بن مهدي يقول : كان أحمد بن صالح يستعير مني كل جمعة الحمار ، ويركبه إلى صلاة الجمعة . وكنت جالسا عند حرملة في الجامع ، فجاز أحمد بن صالح على باب الجامع ، فنظر إلينا وإلى حرملة ، ولم يسلم ، فقال حرملة : انظروا إلى هذا ، بالأمس يحمل دواتي ، واليوم يمر بي فلا يسلم .

                                                                                      وقال أيضا : سمعت محمد بن سعد السعدي يقول : سمعت أبا عبد الرحمن النسائي ، سمعت معاوية بن صالح قال : سألت يحيى عن أحمد بن [ ص: 166 ] صالح ، فقال : رأيته كذابا يخطر في جامع مصر .

                                                                                      وقال عبد الكريم بن النسائي عن أبيه : أحمد بن صالح ليس بثقة ولا مأمون ، تركه محمد بن يحيى ، ورماه يحيى بن معين بالكذب .

                                                                                      قال ابن عدي : كان النسائي سيئ الرأي فيه ، وينكر عليه أحاديث منها ، عن ابن وهب ، عن مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : الدين النصيحة .

                                                                                      ثم قال ابن عدي : أحمد بن صالح من حفاظ الحديث ، وخاصة لحديث الحجاز ، ومن المشهورين بمعرفته . وحدث عنه البخاري مع شدة استقصائه ، ومحمد بن يحيى ، واعتمادهما عليه في كثير من حديث الحجاز ، وعلى معرفته . وحدث عنه من حدث من الثقات ، واعتمدوه حفظا وإتقانا . وكلام ابن معين فيه تحامل . وأما سوء ثناء النسائي عليه ، فسمعت محمد بن هارون بن حسان البرقي يقول : هذا الخراساني يتكلم في أحمد بن صالح . وحضرت مجلس أحمد بن صالح ، وطرده من مجلسه ، فحمله ذلك على أن [ ص: 167 ] تكلم فيه . قال : وهذا أحمد بن حنبل قد أثنى عليه ، فالقول ما قاله أحمد لا ما قاله غيره . وحديث : " الدين النصيحة " الذي أنكره النسائي قد رواه يونس بن عبد الأعلى أيضا ، عن ابن وهب ، وقد رواه عن مالك محمد بن خالد بن عثمة . قال : وأحمد بن صالح من أجلة الناس ، وذاك أني رأيت جمع أبي موسى الزمن في عامة ما جمع من حديث الزهري ، يقول : كتب إلي أحمد بن صالح : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري . ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلم فيه متكلم لكنت أجل أحمد بن صالح أن أذكره .

                                                                                      قال أبو عمرو الداني ، عن مسلمة بن القاسم : الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح ، لعلمه وخيره وفضله ، وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه . وكان سبب تضعيف النسائي له ، أن أحمد بن صالح كان لا [ ص: 168 ] يحدث أحدا حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة . فكان يحدثه ، ويبذل له علمه ، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة . فأتى النسائي ليسمع منه ، فدخل بلا إذن ، ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة ، فلما رآه في مجلسه أنكره ، وأمر بإخراجه ، فضعفه النسائي لهذا .

                                                                                      وقال الخطيب : احتج سائر الأئمة بحديث ابن صالح سوى النسائي ، فإنه ترك الرواية عنه ، وكان يطلق لسانه فيه . وليس الأمر على ما ذكر النسائي . ويقال : كان فيه الكبر ، وشراسة الخلق ، ونال النسائي منه جفاء في مجلسه ، فذلك الذي أفسد الحال بينهما . وقد ذكر ابن حبان أحمد بن صالح في الثقات . وما أورده في الضعفاء ، فأحسن ، ولكن ذكر في الضعفاء أحمد بن صالح المكي الشمومي وكذبه ، وادعى أنه هو الذي حط عليه ابن معين . وقصد أن ينزه ابن معين عن الوقيعة في مثل أحمد بن صالح الطبري الحافظ .

                                                                                      قال عبد الله بن محمد بن سيار : أخبرنا بندار قال : كتبت إلى أحمد بن صالح بخمسين ألف حديث ، أي إجازة ، وسألته أن يجيز لي ، أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير ، فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي .

                                                                                      قال الخطيب : بلغني أن أحمد بن صالح كان لا يحدث إلا ذا لحية ، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه . فلما حمل أبو داود السجستاني إليه ابنه ، [ ص: 169 ] ليسمع منه -وكان إذا ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره . فقال له أبو داود : هو -وإن كان أمرد- أحفظ من أصحاب اللحى ، فامتحنه ، بما أردت . فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها ، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره .

                                                                                      قال : وكان أحد حفاظ الأثر ، عالما بعلل الحديث ، بصيرا باختلافه ، ورد بغداد قديما ، وجالس بها الحفاظ ، وجرت بينه وبين أحمد بن حنبل مذاكرات . وكان أبو عبد الله يذكره ، ويثني عليه . وقيل : إن كلا منهما كتب عن صاحبه في المذاكرة حديثا ، ثم رجع ابن صالح إلى مصر ، وانتشر عند أهلها ، علمه ، وحدث عنه الأئمة .

                                                                                      أنبأنا أبو الغنائم بن علان ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الحافظ ، أخبرني أحمد بن سليمان بن علي المقرئ ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الخليل ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي ، سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، سمعت أبا بكر بن زنجويه ، يقول : قدمت مصر ، فأتيت أحمد بن صالح ، فسألني : من أين أنت ؟ .

                                                                                      قلت : من بغداد . قال : أين منزلك من منزل أحمد بن حنبل ؟ فقلت : أنا من أصحابه . قال : تكتب لي موضع منزلك ؟ فإني أريد أوافي العراق ، حتى تجمع بيننا . فكتبت له ، فوافى أحمد بن صالح سنة اثنتي عشرة ومائتين إلى عفان ، فسأل عني ، فلقيني ، فقال : الموعد الذي بيني وبينك ؟ فذهبت به إلى أحمد بن حنبل ، واستأذنت له ، فقلت : أحمد بن صالح بالباب فأذن له ، فقام إليه ، ورحب به وقربه . ثم قال له : بلغني أنك جمعت [ ص: 170 ] حديث الزهري ، فتعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . فجعلا يتذاكران ، ولا يغرب أحدهما على الآخر ، حتى فرغا ، فما رأيت أحسن من مذاكرتهما . ثم قال أحمد بن حنبل : تعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أولاد الصحابة . فجعلا يتذاكران ، ولا يغرب أحدهما على الآخر إلى أن قال لأحمد بن صالح : عند الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ما يسرني أن لي حمر النعم ، وأن لي حلف المطيبين فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل : أنت الأستاذ ، وتذكر مثل هذا ؟! فجعل أحمد يتبسم ، ويقول : رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرحمن بن إسحاق . فقال : من رواه عن عبد الرحمن ؟ فقال : حدثناه ثقتان : إسماعيل ابن علية ، وبشر بن المفضل ، فقال أحمد بن صالح : سألتك بالله إلا أمليته علي ، فقال أحمد : من الكتاب . فقام ودخل ، فأخرج الكتاب ، وأملى عليه ، فقال أحمد بن صالح : لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث لكان كثيرا ، ثم ودعه وخرج .

                                                                                      وهذا الحديث في " مسند " الإمام أحمد عنهما . ولفظه قال -صلى الله عليه وسلم- : " شهدت غلاما مع عمومتي حلف المطيبين ، فما أحب أن لي حمر النعم . وإني أنكثه " فهذا لفظ إسماعيل . ثم رواه ثانيا ، فقال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : شهدت حلف المطيبين مع عمومتي ، وأنا [ ص: 171 ] غلام ، فما أحب أن لي حمر النعم ، وإني أنكثه .

                                                                                      قلت : أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه ، أخبرنا حنبل ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب ، أخبرنا القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي بهما .

                                                                                      وقد قال البخاري في التوحيد من " صحيحه " حدثنا محمد ، [ ص: 172 ] حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبي هلال ، أن أبا الرجال حدثه عن أمه عمرة -وكانت في حجر عائشة - عن عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قل هو الله أحد فلما رجعوا ، ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : أخبروه أن الله يحبه .

                                                                                      فمحمد هو ابن يحيى الذهلي ، قال ذلك أبو علي الغساني في كتاب " تقييد المهمل " وأنا إلى هذا أميل ، إن كانت النسخ متفقة على ذلك . فإنني أخاف أن يكون محمد هو البخاري ; فإن كثيرا من النسخ في أول كل حديث منها اسم المؤلف ، وفي بعضها : محمد الفربري أخبرنا محمد ، فيحرر هذا .

                                                                                      قال أبو زرعة النصري حدثني أحمد بن صالح ، قال : حدثت [ ص: 173 ] أحمد بن حنبل بحديث زيد بن ثابت في بيع الثمار ، فأعجبه ، واستزادني مثله . فقلت : ومن أين مثله ؟ ! .

                                                                                      قال صالح بن محمد جزرة الحافظ : حضرت مجلس أحمد بن صالح ، فقال : حرج على كل مبتدع وماجن أن يحضر مجلسي ، فقلت : أما الماجن فأنا هو : وذاك أنه قيل له : صالح الماجن قد حضر مجلسك .

                                                                                      الحاكم : حدثنا أبو حامد السياري ، حدثنا أبو بكر محمد بن داود الرازي : سمعت أبا زرعة الرازي ، يقول : ارتحلت إلى أحمد بن صالح ، فدخلت فتذاكرانا إلى أن ضاق الوقت ، ثم أخرجت من كمي أطرافا فيها أحاديث ، فسألته عنها . فقال لي : تعود . فعدت من الغد مع أصحاب الحديث ، فأخرجت الأطراف ، وسألته فقال : تعود . فقلت : أليس قلت لي بالأمس ما عندك ما يكتب ، أورد علي مسندا أو مرسلا أو حرفا مما أستفيد ، فإن لم أورد ذلك عمن هو أوثق منك ، فلست بأبي زرعة ، ثم قمت ، وقلت لأصحابنا : من ها هنا ممن نكتب عنه ؟ قالوا : يحيى بن بكير . فذهبت إليه .

                                                                                      قال ابن عدي : كان أحمد بن صالح قد سمع في كتب حرملة ، فمنعه حرملة من الكتب ، ولم يدفع إليه إلا نصف الكتب . فكان أحمد بن صالح بعد ، كل من سمع من حرملة ، وبدأ به إذا وافى مصر ، لم يحدثه أحمد وقال ابن عدي : سمعت عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي يقول : قدمت مصر ، فبدأت بحرملة ، فكتبت عنه كتاب عمرو بن الحارث ، ويونس بن يزيد والفوائد ، ثم ذهبت إلى أحمد بن صالح فلم يحدثني ، فحملت كتاب يونس ، فخرقته بين يديه ، أرضيه بذلك وليتني لم أخرقه - فلم [ ص: 174 ] يرض ، ولم يحدثني .

                                                                                      قلت : نعوذ بالله من هذه الأخلاق . صدق أبو سعيد بن يونس حيث يقول : لم يكن له آفة غير الكبر ، فلو قدح في عدالته بذلك ، فإنه إثم كبير .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد ، أخبرنا المبارك بن أبي الجود ، أخبرنا أحمد بن أبي غالب الزاهد ، أخبرنا عبد العزيز بن علي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن صالح المصري ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قلت : يا رسول الله ، إني أسمع منك حديثا كثيرا ، فأنساه . قال : ابسط رداءك ، فبسطته ، فغرف بيده ، ثم قال : ضمه فضممته ، فما نسيت حديثا بعد .

                                                                                      رواه البخاري ، عن الثقة ، عن ابن أبي فديك .

                                                                                      وبه : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن أبي فديك قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن شرحبيل ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لأن يتصدق الرجل في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة دينار عند موته .

                                                                                      أخرجه أبو داود عن أحمد ، فوافقناه بعلو . [ ص: 175 ] فأما حديث بيع الثمار ، فأنبأناه علي بن أحمد ، أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا أبو غالب بن البناء ، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا أحمد ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس بن يزيد ، قال : سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه ، وما يذكر في ذلك ، فقال : كان عروة بن الزبير ، يحدث عن سهل بن أبي حثمة ، عن زيد بن ثابت ، قال : كان الناس يتبايعون الثمار ، فإذا جد الناس ، وحضر تقاضيهم ، قال المبتاع : إنه أصاب الثمار الدمان ، وأصابه قشام ، وأصابه مراض ، عاهات يحتجون بها . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : فإما لا فلا تبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم . قال ابن أبي داود : إني شاك ، لا أدري سمعت هذه الكلمة من قول أحمد وهو في كتابي مجاز عليه . وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح . [ ص: 176 ]

                                                                                      قال جماعة منهم البخاري ، وابن زبر : مات أحمد بن صالح في شهر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين . وقد كان أحمد بن صالح من جلة المقرئين .

                                                                                      قال أبو عمرو الداني : أخذ القراءة عرضا وسماعا عن ورش ، وقالون ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وأخيه أبي بكر بن أبي أويس ، كلهم عن نافع ، قال : وروى حروف عاصم عن حرمي بن عمارة .

                                                                                      روى عنه القراءة : حجاج الرشديني ، والحسن بن أبي مهران الجمال ، والحسن بن علي بن مالك الأشناني ، وحسن بن القاسم ، والخضر بن الهيثم الطوسي ، وأبو إسحاق الحراني ، وغيرهم .

                                                                                      قرأت على عمر بن عبد المنعم ، عن زيد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين بن توبة ، أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد ، أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني ، حدثنا ابن مجاهد في كتاب " السبعة " له ، قال : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا أحمد بن صالح ، عن ورش ، وقالون ، وأبي بكر . وإسماعيل ، عن نافع بالحروف . [ ص: 177 ]

                                                                                      قال أبو داود : سألت أحمد بن صالح عمن قال : القرآن كلام الله ، ولا يقول : مخلوق ، ولا غير مخلوق . فقال : هذا شاك ، والشاك كافر .

                                                                                      قلت : بل هذا ساكت . ومن سكت تورعا لا ينسب إليه قول ، ومن سكت شاكا مزريا على السلف ، فهذا مبتدع .

                                                                                      وقال محمد بن موسى المصري : سألت أحمد بن صالح ، فقلت : إن قوما يقولون : إن لفظنا بالقرآن غير الملفوظ ، فقال : لفظنا بالقرآن هو الملفوظ ، والحكاية هي المحكي ، وهو كلام الله غير مخلوق ، من قال : لفظي به مخلوق فهو كافر .

                                                                                      قلت : إن قال : لفظي ، وعنى به القرآن ، فنعم ، وإن قال لفظي ، وقصد به تلفظي وصوتي وفعلي أنه مخلوق ، فهذا مصيب ، فالله تعالى خالقنا ، وخالق أفعالنا وأدواتنا . ولكن الكف عن هذا هو السنة ، ويكفي المرء أن يؤمن بأن القرآن العظيم كلام الله ووحيه وتنزيله على قلب نبيه ، وأنه غير مخلوق ، ومعلوم عند كل ذي ذهن سليم أن الجماعة إذا قرءوا السورة ، أنهم جميعهم قرءوا شيئا واحدا ، وأن أصواتهم وقراءاتهم ، وحناجرهم أشياء مختلفة ، فالمقروء كلام ربهم ، وقراءتهم وتلفظهم ونغماتهم متابينة ، ومن لم يتصور الفرق بين التلفظ وبين الملفوظ ، فدعه وأعرض عنه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية