الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الماجشون ( ع )

                                                                                      عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، ميمون -وقيل : دينار- الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله ، وأبو الأصبغ التيمي مولاهم المدني ، الفقيه ، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون ، صاحب مالك ، وابن عم يوسف بن يعقوب الماجشون .

                                                                                      سكن مدة ببغداد ، وحدث عن : الزهري ، وابن المنكدر ، ووهب بن كيسان ، وهلال بن أبي ميمونة ، وعمه يعقوب بن أبي سلمة ، وسهيل بن أبي صالح ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعبد الله بن دينار ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وسعد بن إبراهيم ، وعمرو بن يحيى بن عمارة ، وهشام بن عروة ، وعبيد الله بن عمر ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، وعمر بن حسين ، وعدة من علماء بلده ، ولم يكن بالمكثر من الحديث ، لكنه فقيه النفس ، فصيح ، كبير الشأن .

                                                                                      حدث عنه : إبراهيم بن طهمان ، وزهير بن معاوية ، والليث بن سعد ، [ ص: 310 ] ووكيع ، وابن مهدي ، وشبابة ، وابن وهب ، وأبو داود ، وأبو عامر العقدي ، ويحيى بن حسان ، وعمرو بن الهيثم أبو قطن ، وهاشم بن القاسم ، وحجين بن المثنى ، وأسد بن موسى ، وأحمد بن يونس ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وحجاج بن منهال ، وبشر بن الوليد الكندي ، وسعدويه الواسطي ، وعبد الله بن صالح العجلي ، وعبد الله بن صالح الجهني الكاتب ، وعلي بن الجعد ، وغسان بن الربيع ، وأبو سلمة التبوذكي ، وأبو الوليد الطيالسي ، وخلق سواهم .

                                                                                      ونقل ابن أبي خيثمة أن أصله من أصبهان ، نزل المدينة ، فكان يلقى الناس ، فيقول : جوني ، جوني .

                                                                                      قال : وسئل أحمد بن حنبل : كيف لقب بالماجشون ؟ قال : تعلق من الفارسية بكلمة ، وكان إذا لقي الرجل يقول : شوني ، شوني ، فلقب : الماجشون . وقال إبراهيم الحربي : الماجشون فارسي ، وإنما سمي الماجشون ; لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، فسمي بذلك ، وهو الخمر ، فعربه أهل المدينة . وقيل : أصل الكلمة : الماه كون فهو وولده يعرفون بذلك . وقال غيره : هذا اللقب عليه وعلى أهل بيته .

                                                                                      قال علي بن الحسين بن حيان : وجدت في كتاب جدي بخطه : قيل لأبي بكر : حدثنا ابن معين : عبد العزيز بن الماجشون هو مثل الليث وإبراهيم بن سعد ؟ قال : لا ، هو دونهما ، إنما كان رجلا يقول بالقدر والكلام ، ثم تركه وأقبل إلى السنة ، ولم يكن من شأنه الحديث ، فلما قدم بغداد ، كتبوا عنه فكان بعد يقول : جعلني أهل بغداد محدثا ، وكان صدوقا ثقة -يعني لم يكن من فرسان الحديث ، كما كان شعبة ومالك . [ ص: 311 ]

                                                                                      وروى أبو داود ، عن أبي الوليد ، قال : كان يصلح للوزارة . وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة : ثقة .

                                                                                      وروى أحمد بن سنان ، عن عبد الرحمن ، قال : قال بشر بن السري : لم يسمع ابن أبي ذئب ، ولا الماجشون من الزهري . قال ابن سنان : معناه عندي أنه عرض .

                                                                                      أبو الطاهر بن السرح : عن ابن وهب ، قال : حججت سنة ثمان وأربعين ومائة ، وصائح يصيح : لا يفتي الناس إلا مالك ، وعبد العزيز بن أبي سلمة .

                                                                                      قال عمرو بن خالد الحراني : حج أبو جعفر المنصور ، فشيعه المهدي ، فلما أراد الوداع ، قال : يا بني استهدني . قال : أستهديك رجلا عاقلا . فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة .

                                                                                      قال محمد بن سعد : كان عبد العزيز ثقة ، كثير الحديث ، وأهل العراق أروى عنه من أهل المدينة ، قدم بغداد ، وأقام بها إلى أن توفي سنة أربع وستين ومائة وصلى عليه المهدي . وكذا أرخه جماعة . وأما ابن حبان فقال : مات سنة ست وستين ومائة قال : وكان فقيها ورعا متابعا لمذاهب أهل الحرمين ، مفرعا على أصولهم ، ذابا عنهم .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة ، عن يحيى بن أسعد ، أنبأنا عبد القادر بن محمد ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أنبأنا أبو بكر بن بخيت ، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن عبد العزيز بن الماجشون ، أنه سئل عما جحدت به الجهمية ؟ فقال : [ ص: 312 ] أما بعد . . . فقد فهمت ما سألت عنه ، فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم ، الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلما تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق .

                                                                                      وإنما يقال : كيف ؟ لمن لم يكن مرة ، ثم كان ، أما من لا يحول ولم يزل ، وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، لا يكاد يراه صغرا ، يحول ويزول ، ولا يرى له بصر ولا سمع ، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه ، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها .

                                                                                      فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا ، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران ، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقال : لا يرى يوم القيامة . . . وذكر فصلا طويلا في إقرار الصفات وإمرارها ، وترك التعرض لها .

                                                                                      وقيل : إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم ، فقال : هذا الكلام هدم بلا بناء ، وصفة بلا معنى . وذكر عبد الملك بن الماجشون الفقيه ، أن المهدي أجاز أباه بعشرة آلاف دينار . وقال أحمد بن كامل : له كتب مصنفة ، رواها عنه ابن وهب .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية