الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      سليمان بن طرخان ( ع )

                                                                                      الإمام شيخ الإسلام أبو المعتمر التيمي البصري . نزل في بني تيم فقيل التيمي .

                                                                                      [ ص: 196 ] روى عن أنس بن مالك وعن أبي عثمان النهدي ، وأبي عثمان آخر ، ويزيد بن عبد الله بن الشخير ، وطاوس ، وأبي مجلز ، ويحيى بن يعمر ، وبكر بن عبد الله المزني ، والحسن ، وطلق بن حبيب ، وبركة أبي الوليد ، وثابت ، وقتادة ، ورقبة بن مصقلة ، وأبي نضرة ، وخلق . وينزل إلى الأعمش ، وحسين بن قيس الرحبي ، والربيع بن أنس ، وكان مقدما في العلم والعمل .

                                                                                      حدث عنه : أبو إسحاق السبيعي أحد شيوخه ، وابنه معتمر ، وشعبة ، وسفيان ، وحماد بن سلمة ، ويزيد بن زريع ، وابن المبارك ، وهشيم ، وابن عيينة ، وابن علية ، وعيسى بن يونس ، وإبراهيم بن سعد ، وجرير بن عبد الحميد ، وزهير الجعفي ، ومحمد بن أبي عدي ، ومروان بن معاوية ، وابن فضيل ، وأسباط بن محمد ، ويحيى القطان ، وأبو همام محمد بن الزبرقان ، ويوسف بن يعقوب الضبعي ، ويزيد بن هارون ، والأنصاري وأبو عاصم ، وهوذة بن خليفة ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال علي ابن المديني : له نحو مائتي حديث .

                                                                                      وروى الربيع بن يحيى ، عن شعبة قال : ما رأيت أحدا أصدق من سليمان التيمي -رحمه الله- كان إذا حدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تغير لونه . وروى أبو بحر البكراوي ، عن شعبة قال : شك ابن عون ، وسليمان التيمي يقين .

                                                                                      [ ص: 197 ] وقال أحمد بن حنبل : هو ثقة ، وهو أحب إلي في أبي عثمان النهدي من عاصم الأحول . وقال يحيى بن معين ، والنسائي وغيرهما : ثقة . قال العجلي : ثقة من خيار أهل البصرة .

                                                                                      وقال ابن سعد : من العباد المجتهدين ، كثير الحديث ، ثقة ، يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة ، وكان هو وابنه يدوران بالليل في المساجد ، فيصليان في هذا المسجد مرة ، وفي هذا المسجد مرة ، حتى يصبحا ، وكان سليمان مائلا إلى علي -رضي الله عنه .

                                                                                      وروى نوفل بن مطهر ، عن ابن المبارك ، عن سفيان قال : حفاظ البصريين ثلاثة : سليمان التيمي ، وعاصم الأحول ، وداود بن أبي هند ، وعاصم أحفظهم . وعن ابن علية قال : سليمان التيمي من حفاظ البصرة .

                                                                                      ابن المديني عن يحيى بن سعيد قال : ما جلست إلى أحد أخوف لله من سليمان التيمي ، وسمعه يقول : ذهبوا بصحيفة جابر إلى الحسن فرواها - أو قال : فأخذها - وذهبوا بها إلى قتادة فأخذها ، وأتوني بها فلم أردها .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سئل أبي : سليمان التيمي أحب إليك في أبي عثمان ، أو عاصم ؟ قال : سليمان . وقال أبي : لا يبلغ التيمي منزلة أيوب ، ويونس ، وابن عون . هم أكبر منه .

                                                                                      محمد بن عبد الأعلى قال لي معتمر بن سليمان : لولا أنك من أهلي ما حدثتك بذا عن أبي . مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ، ويفطر يوما ، ويصلي صلاة الفجر بوضوء عشاء الآخرة .

                                                                                      جرير بن عبد الحميد ، عن رقبة بن مصقلة قال : رأيت رب العزة في المنام فقال : لأكرمن مثوى سليمان التيمي ، صلى لي الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة .

                                                                                      [ ص: 198 ] أحمد الدورقي ، عن معاذ بن معاذ قال : كنت إذا رأيت التيمي كأنه غلام حدث ، قد أخذ في العبادة . كانوا يرون أنه أخذ عبادته عن أبي عثمان النهدي .

                                                                                      وروى مثنى بن معاذ عن أبيه قال : ما كنت أشبه عبادة سليمان التيمي إلا بعبادة الشاب أول ما يدخل في تلك الشدة والحدة .

                                                                                      وروى الوليد بن صالح ، عن حماد بن سلمة قال : ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعا ، وكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله . وقال أحمد بن حنبل : كان يحيى بن سعيد يثني على سليمان التيمي ، ويقدمه على عاصم الأحول . وكان عنده عن التيمي ، عن أنس أربعة عشر حديثا ، ولم يكن يذكر أخباره يعني عن التيمي في حديث أنس قال : ورأيي أن أصل التيمي كان قد ضاع .

                                                                                      ابن المديني : سمعت يحيى يقول : كان التيمي يحدث الشريف والوضيع خمسة خمسة . قلت : كان يدعكم تكتبون ؟ قال : لا . إن رد عليه إنسان حسبه عليه ، وكنت أرد عليه ويحسب علي يعني بقوله : أرد عليه ، أني أعيد الحديث لأحفظه ، فيحسبه عليه بحديث من تلك الخمسة .

                                                                                      قال خالد بن الحارث : قال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله .

                                                                                      وروى غسان بن المفضل ، عن إبراهيم بن إسماعيل قال : استعار سليمان التيمي من رجل فروة ، فلبسها ثم ردها قال الرجل : فما زلت أجد فيها ريح المسك .

                                                                                      [ ص: 199 ] وكان بينه وبين رجل تنازع ، فتناول الرجل سليمان ، فغمز بطنه ، فجفت يد الرجل .

                                                                                      قال معتمر بن سليمان : قال لي أبي عند موته : يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله -تعالى- وأنا حسن الظن به .

                                                                                      وقال الأصمعي : كنت أمشي مع المعتمر ، فقال لي مكانك . ثم قال : قال أبي : إذا كتبت فلا تكتب التيمي ، ولا تكتب المري ، فإن أبي كان مكاتبا لبجير بن حمران . وإن أمي كانت مولاة لبني سليم . فإن كان أدى الكتابة والولاء لبني مرة - وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس فاكتب القيسي . وإن لم يكن أدى الكتابة والولاء لبني سليم ، وهم من قيس عيلان فاكتب القيسي .

                                                                                      وعن سليمان التيمي أنه ربما أحدث الوضوء في الليل من غير نوم . وذكر جرير بن عبد الحميد أن سليمان التيمي ، لم تمر ساعة قط عليه إلا تصدق بشيء ، فإن لم يكن شيء ، صلى ركعتين .

                                                                                      قرأت على إسحاق بن طارق ، أنبأنا يوسف بن خليل ، أنبأنا أحمد بن محمد التيمي ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا الأنصاري قال : كان عامة دهر التيمي يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد ، وكان يسبح بعد العصر إلى المغرب ، ويصوم الدهر . كذا قال : وإنما المعروف أنه كان يصوم يوما ويوما . وبه قال الدورقي : حدثني عباس بن الوليد ، عن يحيى القطان ، قال : خرج سليمان التيمي إلى مكة ، فكان يصلي الصبح بوضوء عشاء الآخرة .

                                                                                      [ ص: 200 ] روى المسيب بن واضح ، عن عبد الله بن المبارك أو غيره ، قال : أقام سليمان التيمي أربعين سنة إمام الجامع بالبصرة يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد .

                                                                                      وعن حماد بن سلمة قال : لم يضع سليمان التيمي جنبه بالأرض عشرين سنة .

                                                                                      وذكر مردويه ، عن فضيل بن عياض قال : قيل لسليمان التيمي : أنت أنت ، ومن مثلك ؟ ! قال : لا تقولوا هكذا . لا أدري ما يبدو لي من ربي -عز وجل . سمعت الله يقول : وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .

                                                                                      وروي عن سليمان التيمي قال : إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته .

                                                                                      روى سعيد الكريزي ، عن سعيد بن عامر الضبعي قال : مرض سليمان التيمي فبكى . فقيل : ما يبكيك ؟ قال : مررت على قدري ، فسلمت عليه . فأخاف الحساب عليه .

                                                                                      أخبرنا إسحاق ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا التيمي ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا سعيد بن عيسى ، سمعت مهدي بن هلال يقول : أتيت سليمان فوجدت عنده حماد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، وبشر بن المفضل وأصحابنا البصريين ، فكان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه فيقول له : الزنى بقدر ؟ فإن قال : نعم استحلفه إن هذا دينك الذي تدين الله به ؟ فإن حلف حدثه خمسة أحاديث .

                                                                                      قال معاذ بن معاذ : كان سليمان التيمي لا يزيد كل واحد منا على خمسة أحاديث ، وكان معنا رجل ، فجعل يكرر عليه ، فقال : نشدتك بالله أجهمي أنت ؟ فقال : ما أفطنك ! من أين تعرفني ؟ .

                                                                                      [ ص: 201 ] قال معتمر بن سليمان : قال أبي : أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد .

                                                                                      أخبرنا المسلم بن محمد ، وعبد الرحمن بن أبي عمر ، وجماعة إجازة ، أنهم سمعوا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الجعفي ، وإسحاق الحربي قالا : حدثنا هوذة ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن أسامة بن زيد قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذني والحسن ويقول : اللهم إني أحبهما فأحبهما أخرجه البخاري ، والنسائي من حديث معتمر بن سليمان ، عن أبيه . ورواه سليمان مرة عن أبي تميمة ، عن أبي عثمان . قال : ثم نظرت فإذا قد سمعته من أبي عثمان وكتبته .

                                                                                      أخبرنا إسحاق الأسدي ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم التيمي ، وأنبأنا أحمد بن سلامة ، وغيره عن التيمي ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا الحارث بن محمد ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ( ح ) وبه قال أبو نعيم : وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن في جماعة ، قالوا : حدثنا أبو مسلم ، حدثنا معاذ بن عوذ الله ، واللفظ له قالا : حدثنا سليمان التيمي ، عن أنس ، قال : خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بالباب ، فقال : يا معاذ ، من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قال معاذ : ألا أخبر الناس ؟ .

                                                                                      [ ص: 202 ] قال : لا ، دعهم فليتنافسوا في الأعمال ، فإني أخاف أن يتكلوا
                                                                                      ورواه قتادة عن أنس نحوه .

                                                                                      قال محمد بن سعد : توفي سليمان التيمي بالبصرة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين ومائة وروى أبو داود ، عن معتمر بن سليمان أنه مات ابن سبع وتسعين سنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية