الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الخطيب

                                                                                      الإمام الأوحد ، العلامة المفتي ، الحافظ الناقد ، محدث الوقت أبو بكر ، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي ، صاحب التصانيف ، وخاتمة الحفاظ .

                                                                                      ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة .

                                                                                      وكان أبوه أبو الحسن خطيبا بقرية درزيجان وممن تلا القرآن على [ ص: 271 ] أبي حفص الكتاني ، فحض ولده أحمد على السماع والفقه ، فسمع وهو ابن إحدى عشرة سنة ، وارتحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة ، وإلى نيسابور وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، وإلى الشام وهو كهل ، وإلى مكة ، وغير ذلك . وكتب الكثير ، وتقدم في هذا الشأن ، وبذ الأقران ، وجمع وصنف وصحح ، وعلل وجرح ، وعدل وأرخ وأوضح ، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق .

                                                                                      سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي ، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي ، وأبا الحسين بن المتيم ، وحسين بن الحسن الجواليقي ابن العريف يروي عن ابن مخلد العطار ، وسعد بن محمد الشيباني سمع من أبي علي الحصائري وعبد العزيز بن محمد الستوري حدثه عن إسماعيل الصفار وإبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي وأبا الفرج محمد بن فارس الغوري ، وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي ، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي ومحمد بن عمر بن عيسى الحطراني [ ص: 272 ] حدثه عن أحمد بن إبراهيم البلدي ، وأبا نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي ، وأبا القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر ، والحسين بن عمر بن برهان ، وأبا الحسن بن رزقويه ، وأبا الفتح هلال بن محمد الحفار ، وأبا الفتح بن أبي الفوارس ، وأبا العلاء محمد بن الحسن الوراق ، وأبا الحسين بن بشران . وينزل إلى أن يكتب عن عبد الصمد بن المأمون ، وأبي الحسين بن النقور ، بل نزل إلى أن روى عن تلامذته كنصر المقدسي ، وابن ماكولا ، والحميدي . وهذا شأن كل حافظ يروي عن الكبار والصغار .

                                                                                      وسمع بعكبرا من الحسين بن محمد الصائغ حدثه عن نافلة علي بن حرب .

                                                                                      ولحق بالبصرة أبا عمر الهاشمي شيخه في " السنن " ، وعلي بن القاسم الشاهد ، والحسن بن علي السابوري وطائفة .

                                                                                      وسمع بنيسابور القاضي أبا بكر الحيري ، وأبا سعيد الصيرفي ، وأبا القاسم عبد الرحمن السراج ، وعلي بن محمد الطرازي ، والحافظ أبا حازم العبدوي ، وخلقا .

                                                                                      وبأصبهان : أبا الحسن بن عبدكويه ، وأبا عبد الله الجمال ، ومحمد [ ص: 273 ] بن عبد الله بن شهريار ، وأبا نعيم الحافظ .

                                                                                      وبالدينور : أبا نصر الكسار .

                                                                                      وبهمذان : محمد بن عيسى ، وطبقته .

                                                                                      وسمع بالري والكوفة وصور ودمشق ومكة .

                                                                                      وكان قدومه إلى دمشق في سنة خمس وأربعين ، فسمع من محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي ، وطبقته واستوطنها ، ومنها حج ، وقرأ صحيح البخاري على كريمة في أيام الموسم .

                                                                                      وأعلى ما عنده حديث مالك ، وحماد بن زيد ، بينه وبين كل منهما ثلاثة أنفس .

                                                                                      حدث عنه : أبو بكر البرقاني ; وهو من شيوخه ، وأبو نصر بن ماكولا ، والفقيه نصر ، والحميدي ، وأبو الفضل بن خيرون ، والمبارك بن الطيوري ، وأبو بكر بن الخاضبة ، وأبي النرسي ، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي ، والمرتضى محمد بن محمد الحسيني ، ومحمد بن مرزوق الزعفراني ، وأبو القاسم النسيب ، وهبة الله بن الأكفاني ، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، وغيث بن علي الأرمنازي ، وأحمد بن أحمد المتوكلي ، وأحمد بن علي بن المجلي ، وهبة الله بن عبد الله الشروطي ، وأبو الحسن بن سعيد ، وطاهر بن سهل الإسفراييني ، وبركات النجاد ، وعبد الكريم بن حمزة ، وأبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي ، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي ، وقاضي المارستان أبو بكر ، وأبو القاسم إسماعيل بن [ ص: 274 ] أحمد بن السمرقندي ، وأبو بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبو منصور الشيباني ; راوي " تاريخه " ، وأبو منصور بن خيرون المقرئ ، وبدر بن عبد الله الشيحي ، والزاهد يوسف بن أيوب الهمذاني ، وهبة الله بن علي المجلي ، وأخوه أبو السعود أحمد وأبو الحسين بن أبي يعلى ، وأبو الحسين بن بويه ، وأبو البدر الكرخي ، ومفلح الدومي ، ويحيى بن الطراح ، وأبو الفضل الأرموي ، وعدد يطول ذكرهم .

                                                                                      وكان من كبار الشافعية ، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري .

                                                                                      قال أبو منصور بن خيرون حدثنا الخطيب أنه ولد في جمادى الآخرة سنة 392 وأول ما سمع في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة .

                                                                                      قال أحمد بن صالح الجيلي : تفقه الخطيب ، وقرأ بالقراءات ، وارتحل وقرب من رئيس الرؤساء فلما قبض عليه البساسيري استتر الخطيب ، وخرج إلى صور ، وبها عز الدولة ، أحد الأجواد ، فأعطاه مالا كثيرا . عمل نيفا وخمسين مصنفا ، وانتهى إليه الحفظ ، شيعه خلق عظيم ، وتصدق بمائتي دينار ، وأوقف كتبه ، واحترق كثير منها بعده بخمسين سنة . [ ص: 275 ]

                                                                                      وقال الخطيب : استشرت البرقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس بمصر ، أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم ، فقال : إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحد ، إن فاتك ، ضاعت رحلتك ، وإن خرجت إلى نيسابور ، ففيها جماعة ، إن فاتك واحد أدركت من بقي . فخرجت إلى نيسابور .

                                                                                      قال الخطيب في " تاريخه " : كنت أذاكر أبا بكر البرقاني بالأحاديث ، فيكتبها عني ، ويضمنها جموعه . وحدث عني وأنا أسمع وفي غيبتي ، ولقد حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني ، أخبرنا أبو بكر الخوارزمي سنة عشرين وأربعمائة ، حدثنا أحمد بن علي بن ثابت ، حدثنا محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا الأصم . فذكر حديثا .

                                                                                      قال ابن ماكولا : كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه ، معرفة ، وحفظا ، وإتقانا ، وضبطا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفننا في علله وأسانيده ، وعلما بصحيحه وغريبه ، وفرده ومنكره ومطروحه ، ولم يكن للبغداديين -بعد أبي الحسن الدارقطني - مثله . سألت أبا عبد الله الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي : أيهما أحفظ ؟ ففضل الخطيب تفضيلا بينا . [ ص: 276 ]

                                                                                      قال المؤتمن الساجي : ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب .

                                                                                      وقال أبو علي البرداني : لعل الخطيب لم ير مثل نفسه .

                                                                                      أنبأني بالقولين المسلم بن محمد ، عن القاسم بن عساكر ، حدثنا أبي ، حدثنا أخي هبة الله ، حدثنا أبو طاهر السلفي ، عنهما .

                                                                                      وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه : أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه .

                                                                                      وقال أبو الفتيان الحافظ : كان الخطيب إمام هذه الصنعة ، ما رأيت مثله .

                                                                                      قال أبو القاسم النسيب : سمعت الخطيب يقول : كتب معي أبو بكر البرقاني كتابا إلى أبي نعيم الحافظ يقول فيه : وقد رحل إلى ما عندك أخونا أبو بكر -أيده الله وسلمه- ليقتبس من علومك ، وهو -بحمد الله- ممن له في هذا الشأن سابقة حسنة ، وقدم ثابت ، وقد رحل فيه وفي طلبه ، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله ، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع [ ص: 277 ] التورع والتحفظ ما يحسن لديك موقعه .

                                                                                      قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني : سمع من الخطيب شيخه أبو القاسم عبيد الله الأزهري في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة . وكتب عنه شيخه البرقاني ، وروى عنه . وعلق الفقه عن أبي الطيب الطبري ، وأبي نصر بن الصباغ ، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري ، رحمه الله .

                                                                                      قلت : صدق . فقد صرح الخطيب في أخبار الصفات أنها تمر كما جاءت بلا تأويل .

                                                                                      قال الحافظ أبو سعد السمعاني في " الذيل " : كان الخطيب مهيبا وقورا ، ثقة متحريا ، حجة ، حسن الخط ، كثير الضبط ، فصيحا ، ختم به الحفاظ ، رحل إلى الشام حاجا ، ولقي بصور أبا عبد الله القضاعي ، وقرأ " الصحيح " في خمسة أيام على كريمة المروزية ، ورجع إلى بغداد ، ثم خرج منها بعد فتنة البساسيري لتشويش الوقت إلى الشام ، سنة إحدى وخمسين ، فأقام بها ، وكان يزور بيت المقدس ، ويعود إلى صور ، إلى سنة اثنتين وستين ، فتوجه إلى طرابلس ، ثم منها إلى حلب ، ثم إلى الرحبة ، ثم إلى بغداد ، فدخلها في ذي الحجة . وحدث بحلب وغيرها .

                                                                                      السمعاني : سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو ، سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول : كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب ، فدخل علوي وفي كمه دنانير ، فقال : هذا الذهب تصرفه في مهماتك . فقطب في [ ص: 278 ] وجهه ، وقال : لا حاجة لي فيه ، فقال : كأنك تستقله ، وأرسله من كمه على سجادة الخطيب . وقال : هذه ثلاثمائة دينار . فقام الخطيب خجلا محمرا وجهه ، وأخذ سجادته ، ورمى الدنانير ، وراح . فما أنى عزه وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير .

                                                                                      ابن ناصر : حدثنا أبو زكريا التبريزي اللغوي قال : دخلت دمشق ، فكنت أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة ، وكنت أسكن منارة الجامع ، فصعد إلي ، وقال : أحببت أن أزورك في بيتك . فتحدثنا ساعة . ثم أخرج ورقة ، وقال : الهدية مستحبة ، تشتري بهذا أقلاما . ونهض ، فإذا خمسة دنانير مصرية ، ثم صعد مرة أخرى ، ووضع نحوا من ذلك . وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع ، وكان يقرأ معربا صحيحا .

                                                                                      قال السمعاني : سمعت من ستة عشر نفسا من أصحابه ، وحدثنا عنه يحيى بن علي الخطيب ، سمع منه بالأنبار ، قرأت بخط أبي ، سمعت أبا محمد بن الآبنوسي ، سمعت الخطيب يقول : كلما ذكرت في التاريخ رجلا اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل ، فالتعويل على ما أخرت وختمت به الترجمة .

                                                                                      قال ابن شافع : خرج الخطيب إلى صور ، وقصدها وبها عز الدولة ، الموصوف بالكرم ، فتقرب منه ، فانتفع به ، وأعطاه مالا كثيرا . قال : وانتهى [ ص: 279 ] إليه الحفظ والإتقان ، والقيام بعلوم الحديث .

                                                                                      قال الحافظ ابن عساكر : سمعت الحسين بن محمد يحكي ، عن ابن خيرون أو غيره ، أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات ، وسأل الله ثلاث حاجات ، أن يحدث ب " تاريخ بغداد " بها ، وأن يملي الحديث بجامع المنصور ، وأن يدفن عند بشر الحافي . فقضيت له الثلاث .

                                                                                      قال غيث بن علي : حدثنا أبو الفرج الإسفراييني قال : كان الخطيب معنا في الحج ، فكان يختم كل يوم ختمة قراءة ترتيل ، ثم يجتمع الناس عليه وهو راكب يقولون : حدثنا ، فيحدثهم . أو كما قال .

                                                                                      قال المؤتمن : سمعت عبد المحسن الشيحي يقول : كنت عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد ، فكان له في كل يوم وليلة ختمة .

                                                                                      قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير حج وحدث ، ونعم الشيخ كان ، ولما حج ، كان معه حمل كتب ليجاور ، منه : صحيح البخاري ; سمعه من الكشميهني ، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة [ ص: 280 ] مجالس ، فكان المجلس الثالث من أول النهار وإلى الليل ، ففرغ طلوع الفجر .

                                                                                      قلت : هذه -والله- القراءة التي لم يسمع قط بأسرع منها .

                                                                                      وفي " تاريخ " محمد بن عبد الملك الهمذاني : توفي الخطيب في كذا ، ومات هذا العلم بوفاته . وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه ، فما صححه أوردوه ، وما رده لم يذكروه . وأظهر بعض اليهود كتابا ادعى أنه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسقاط الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة الصحابة ، وذكروا أن خط علي -رضي الله عنه - فيه . وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء ، فعرضه على الخطيب ، فتأمله ، وقال : هذا مزور ، قيل : من أين قلت ؟ قال : فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح ، وفتحت خيبر سنة سبع ، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين . فاستحسن ذلك منه .

                                                                                      قال السمعاني : سمعت يوسف بن أيوب بمرو يقول : حضر الخطيب درس شيخنا أبي إسحاق ، فروى أبو إسحاق حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ، ثم قال للخطيب : ما تقول فيه ؟ فقال : إن أذنت لي ذكرت حاله . [ ص: 281 ] فانحرف أبو إسحاق ، وقعد كالتلميذ ، وشرع الخطيب يقول ، وشرح أحواله شرحا حسنا ، فأثنى الشيخ عليه ، وقال : هذا دارقطني عصرنا .

                                                                                      قال أبو علي البرداني : حدثنا حافظ وقته أبو بكر الخطيب ، وما رأيت مثله ، ولا أظنه رأى مثل نفسه .

                                                                                      وقال السلفي : سألت شجاعا الذهلي عن الخطيب ، فقال : إمام مصنف حافظ ، لم ندرك مثله .

                                                                                      وعن سعيد المؤدب قال : قلت لأبي بكر الخطيب عند قدومي : أنت الحافظ أبو بكر ؟ قال : انتهى الحفظ إلى الدارقطني .

                                                                                      قال ابن الآبنوسي : كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه .

                                                                                      وقال المؤتمن : كان الخطيب يقول : من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس .

                                                                                      محمد بن طاهر : حدثنا مكي بن عبد السلام الرميلي قال : كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور ، أنه كان يختلف إليه صبي مليح ، فتكلم [ ص: 282 ] الناس في ذلك ، وكان أمير البلد رافضيا متعصبا ، فبلغته القصة ، فجعل ذلك سببا إلى الفتك به ، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ، فيقتله ، وكان صاحب الشرطة سنيا ، فقصده تلك الليلة في جماعة ، ولم يمكنه أن يخالف الأمير ، فأخذه ، وقال : قد أمرت فيك بكذا وكذا ، ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف بن أبي الجن فإذا حاذيت الدار ، اقفز وادخل ، فإني لا أطلبك ، وأرجع إلى الأمير ، فأخبره بالقصة . ففعل ذلك ، ودخل دار الشريف ، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به ، فقال : أيها الأمير ! أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله ، وليس في قتله مصلحة ، هذا مشهور بالعراق ، إن قتلته ، قتل به جماعة من الشيعة ، وخربت المشاهد . قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن ينزح من بلدك . فأمر بإخراجه ، فراح إلى صور ، وبقي بها مدة .

                                                                                      قال أبو القاسم بن عساكر : سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش ، فقال : هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع .

                                                                                      وروى ابن عساكر عمن ذكره أن الخطيب وقع إليه جزء فيه سماع القائم بأمر الله ، فأخذه ، وقصد دار الخلافة ، وطلب الإذن ، في قراءته ، فقال [ ص: 283 ] الخليفة : هذا رجل كبير في الحديث ، وليس له في السماع حاجة ، فلعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك ، فسلوه ما حاجته ؟ فقال : حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور . فأذن له ، فأملى .

                                                                                      قال ابن طاهر : سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي : هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ ؟ قال : لا ، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام ، وإن ألححنا عليه غضب ، كانت له بادرة وحشة ، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه .

                                                                                      وقال أبو الحسين بن الطيوري : أكثر كتب الخطيب - سوى " تاريخ بغداد " - مستفادة من كتب الصوري كان الصوري ابتدأ بها ، وكانت له أخت بصور ، خلف أخوها عندها اثني عشر عدلا من الكتب ، فحصل الخطيب من كتبه أشياء . وكان الصوري قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا .

                                                                                      قلت : ما الخطيب بمفتقر إلى الصوري ، هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثا ومعرفة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية