الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 139 ] ابن بشكوال

                                                                                      الإمام العالم الحافظ ، الناقد المجود ، محدث الأندلس أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال بن يوسف بن داحة الأنصاري ، الأندلسي القرطبي ، صاحب تاريخ الأندلس .

                                                                                      ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة .

                                                                                      وسمع أباه وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر عنه ، وهو أعلى شيخ له وأبا بحر سفيان بن العاص ، وأبا الوليد بن رشد الكبير ، وأبا الوليد بن طريف ، وأبا القاسم بن بقي ، وأبا الحسن شريح بن محمد ، والقاضي أبا بكر بن العربي ، وأبا جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروجي ، وخلقا كثيرا .

                                                                                      وأجاز له أبو علي بن سكرة الصدفي ، وأبو القاسم بن منظور ، وطائفة . ومن بغداد هبة الله بن أحمد الشبلي . ولو استجيز له في صغره من بغداد لأدرك الحسين بن علي البسري ، وأبا بكر أحمد بن علي الطريثيثي ، [ ص: 140 ] وجعفر بن أحمد السراج ، والرواية رزق مقسوم . وقد صنف معجما لنفسه .

                                                                                      قال أبو عبد الله الأبار كان متسع الرواية ، شديد العناية بها ، عارفا بوجوهها ، حجة ، مقدما على أهل وقته ، حافظا ، حافلا ، أخباريا ، تاريخيا ، ذاكرا لأخبار الأندلس . سمع العالي والنازل ، وأسند عن مشايخه أزيد من أربعمائة كتاب ، من بين كبير وصغير . رحل الناس إليه ، وأخذوا عنه ، وحدثنا عنه جماعة ، ووصفوه بصلاح الدخلة ، وسلامة الباطن ، وصحة التواضع ، وصدق الصبر للطلبة ، وطول الاحتمال ، وألف خمسين تأليفا في أنواع العلم . وولي بإشبيلية قضاء بعض جهاتها نيابة عن ابن العربي . وعقد الشروط ، ثم اقتصر على إسماع العلم ، وعلى هذه الصناعة ، وهي كانت بضاعته ، والرواة عنه لا يحصون ; منهم : أبو بكر بن خير ، وأبو القاسم القنطري ، وأبو بكر بن سمجون ، وأبو الحسن بن الضحاك ، وكلهم مات قبله .

                                                                                      قلت : ومن الرواة عنه : أبو القاسم أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد ، وأحمد بن عبد المجيد المالقي ، وأحمد بن محمد بن الأصلع ، وأبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي ، وأحمد بن عياش المرسي ، وأحمد بن أبي حجة القيسي ، وثابت بن محمد الكلاعي ، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان ، [ ص: 141 ] ومحمد بن عبد الله ابن الصفار ، وموسى بن عبد الرحمن الغرناطي ، وأبو الخطاب بن دحية ، وأخوه أبو عمرو اللغوي ، وعدد كثير .

                                                                                      وممن روى عنه بالإجازة : أبو الفضل جعفر بن علي الهمداني ، وأبو القاسم سبط السلفي . ولم يخرج من الأندلس .

                                                                                      ومن تصانيفه كتاب " صلة تاريخ أبي الوليد بن الفرضي " في مجلدتين ، وكتاب " غوامض الأسماء المبهمة " في مجلد ينبئ عن إمامته ، وكتاب " معرفة العلماء الأفاضل " مجلدان ، " طرق حديث المغفر " ثلاثة أجزاء ، كتاب " الحكايات المستغربة " مجلد ، كتاب " القربة إلى الله بالصلاة على نبيه " ، كتاب " المستغيثين بالله " ، كتاب " ذكر من روى الموطأ عن مالك " جزآن ، كتاب " أخبار الأعمش " ثلاثة أجزاء ، " ترجمة النسائي " جزء ، " ترجمة المحاسبي " جزء ، " ترجمة إسماعيل القاضي " جزء ، " أخبار ابن وهب " جزء ، " أخبار أبي المطرف القنازعي " جزء ، " قضاة قرطبة " مجلد ، " المسلسلات " جزء ، " حديث من كذب علي " جزء ، " أخبار ابن المبارك " جزآن ، " أخبار ابن عيينة " جزء ضخم .

                                                                                      وقد ذكره الحافظ أبو جعفر بن الزبير ، فاستوفى ترجمته ، فمن ذلك قال : كان -رحمه الله- يؤثر الخمول والقنوع بالدون من العيش ، لم يتدنس بخطة تحط من قدره ، حتى يجد أحد إلى الكلام فيه من سبيل ، إلى أن [ ص: 142 ] قال : وآخر من روى عنه بالسماع شيخنا أبو الحسين بن السراج ، وبالإجازة المجردة أبو القاسم أحمد بن محمد البلوي .

                                                                                      قلت : وقع له حديث سباعي الإسناد عن ابن عتاب ، عن حكم بن محمد ، عن شيخ ، عن أبي خليفة الجمحي .

                                                                                      توفي إلى رحمة الله في ثامن شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وله أربع وثمانون سنة ، ودفن بمقبرة قرطبة بقرب قبر يحيى بن يحيى الليثي الفقيه .

                                                                                      وفي [ هذه ] السنة مات شيخ العراق الزاهد القدوة أحمد بن علي بن الرفاعي وقد قارب الثمانين ، ومسند وقته خطيب الموصل عبد الله بن أحمد الطوسي عن اثنتين وتسعين عاما ، وعالم دمشق الإمام قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري الشافعي ، والمسند أبو طالب الخضر بن هبة الله بن طاوس المقرئ .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ ، أخبرنا عبد العظيم الحافظ أخبرنا محمد بن الحسن المالقي ، أخبرنا خلف بن عبد الملك ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بقراءتي ، أخبرنا حاتم بن محمد ، أخبرنا أحمد بن فراس المكي ، حدثنا إبراهيم بن رحمون السنجاري ، أخبرنا محمد بن مسلمة ، أخبرنا موسى الطويل ، حدثنا مولاي أنس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : طوبى لمن رآني ، ومن رأى من رآني ، ومن رأى من رأى من رآني .

                                                                                      [ ص: 143 ] وقع لنا حديث موسى الطويل بعلو درجتين في جزء طلحة الكتاني ، ولكن موسى غير ثقة ، عاش بعد المائتين ، وزعم أنه رأى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية